الثلاثاء 1 ابريل 2025

مقالات

فرح المصريين !

  • 30-3-2025 | 20:21
طباعة

أكبر فرحة فى حياتى وأنا فى آخر سنوات العقد السابع من العمر كانت عندما عبرنا قناة السويس لنستعيد ارضنا المحتلة وكرامتنا الوطنية التى نالت منها هزيمة يونيو .. وقد كتبت وقتها فى عدد ديسمبر منو مجلة الكاتب مقالا بعنوان الانسان ألعربى وحرب اكتوبر بدأته بالقول : كل الجراح تطيب بالأدوية والعقاقير .. الا جراح الشعوب والأمم فهى لا تطيب الا بالدم .. والدم وحده خاصة اذا كانت هذه الشعوب مجروحة فى فؤاد وطنيتها مثلنا بعد هزيمة يونيو ١٩٦٧ .. ثم قلت : كان أمرا له مغزاه أن يتخلص شعبنا من ثوب الحزن الوطنى الذى فرض عليه ان ئرتديه قسرا لست سنوات او اكثر عندما انطلقت مدافعه على ضفاف القناة 

كانت الفرحة غامرة بحرب اكتوبر التى انتظرناها طويلا .. ولم أكن وحدى الذى شعر بهذه الفرحة الغامرة وقتها انما شعر بهذه الفرحة المصريون جميعا .. ولعل ذلك ينبهنا الى امر بالغ الدلالة وهو أن الشان العام والهم الوطنى له تأثيره فى إحساس المصريين وعلى مدى التاريخ الطويل بالفرح او بالحزن.
وربما لذلك ثمة من يرى من بين المفكرين ان الحزن غالب على المصريين، وأن المصرى لا يعرف كيف يفرح ، او انه بخيل فى فرحه ، ويخشى الإفراط فى الفرح والضحك ويخاف من عواقبها ، واذا حدث فانه يرجو ان تكون العاقبة خيرا وليست شرا ! .. فما قابله وطنهم على مدى تاريخه الطويل والعريق من صعوبات والام  وأحزان وماسى وكوارث  كان كبيرأ وفادحا وصادما، من غزو اجنبى و استعمار واحتلال وسيطرة اجانب   على الحكم فيه حتى انه خضع لحكم مماليك ردحا من الزمن ،  واستغلال لثرواته  وسرقة وسلب لموارده ومقدراته ومحاولات لإمبراطوريات ودول عظمى للهيمنة على هذا الوطن وتامر عليه من قبل أحيانا اشقاء ! 
وقبل عقود مضت كتب احمد أمين مقالا فى مجلة الثقافة عن فن السرور طرح فيه سؤلا ذَا دلالة وهو لماذا لا يفرح المصريون ويشعرون بالسعادة والسرور مثل اهل الغرب الذين يجيدون ممارسة الفرحة والاستمتاع بالسرور ويستهزؤن كل مناسبة للفرح .. وقد كتب الدكتور طه حسين مقالا يعقب على ما كتبه احمد أمين عن فن الحزن الحديث يؤكد ان الفن الرادع فى مصر هو فن الحزن والبكاءيات وليس فن الفرح والسرور وانه من الاجدى والأسهل  الترويج لفن الحزن الحديث .. وأورد العديد من المقالب والعيوب التى يشكو منها المجتمع والعديد من المشاكل والأزمات التى تعانى منا البلاد ! .. وبعد نشار مقال الدكتور طه حسين كتب  عبدالعزيز البشرى مقالا معقبا بدوره فى هذه القضية الجدلية موءيدا ما ذهب اليه عميد الأدب العربى او مؤيدا لنشر فن الحزن الحديث ! 
وفى المقابل هناك مفكرون اخرون يرون ان الحزن جديد على المصريين رغم انهم بارعون فى ممارسة مظاهر الحزن ، ولا يشكل سمة مجتمعية ينفرد بها المجتمع المصرى .. بل على العكس فان المصريون شعب يجيد الفرح والسرور ويستشهدون فى ذلك بهيردوت الذى وصف المصريون بانهم شعب يحب الفرح والدعابة.. ويوءكد هوءلاء ما ذهبوا اليه  بان قدماء المصريين كان من بين الآلهة التى يعبدونها الهة  للڤرح والسعادة تعرف باسم باستت ، وان المصريون لديهم نحو ٣٣ عيدا ومناسبة للاحتفال دينية ووطنية ومجتمعية  سنويا بمعدل نحو ثلاثة احتفالات شهريا .. اى ان للفرح مكانا واسعا بين المصريين ، وانهم كما يعرفون كيف يحزنون فانهم يعرفون ايضا كيف يفرحون ويشعرون بالسرور ! 
ولغض النظر عن  هذا الاختلاف فى الروءى الذى ربما يرجع الى النشأة الاجتماعية لمن ينتمون للفريقين فإنهما يتفقان على ان الفرح والحزن فى المجتمع مرتبط كثيرا وبشكل وثيق بالشان العام او الشان الوطنى اساسا، ولذلك يكون الحزن لسبب يخص الوطن عميقا وكبيرا ، ويكون الفرح أيضا لسبب يخص الوطن كبيرا وعطيما .. اى اننى لم أكن وحدى الذى شعرت بالفرحة الغامرة عندما خضنا حرب اكتوبر وعبرنا قناة السويس ونسبنا خط بارليف .. فرحة الجميع فى مصر  كانت غامرة وضخمة  وهذا ما رصدته فى مقالى بمجلة الكاتب حينها قبل نحو ٥٢ عاما مضت.. وفى المقابل فان حزن المصريين على وفاة جمال عبدالناصر كان ايضا عميقا لانه وهو القاءد الذى كلفه الشعب بخوض الحرب لتحرير الارض واسترداد الكرامة قد فقدناه فى وسط الاستعداد لهذه الحرب التى منا ننتظرها بلهفة كبيرة 
وهكذا الشان الوطنى هو الذى يصنع الفرح فى مصرنا العزيزة ويصنع احيانا الحزن ايضا .. فكلما تحسن هذا الشان الوطنى وصار يحقق للمصريين الحياة الكريمة ويوفر لهم العدالة الاجتماعية فانه  يخلق فى نفوسهم الفرح والسرور ويصنع لهم السعادة وراحة البال 
وهذا هو سبيلنا لنشر الفرح فى أرجاء البلاد حتى فى ظل التحديات الكبيرة والضخمة التى تحيط الآن بالبلاد.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة