تحل اليوم ذكرى ميلاد شارل فورييه الحالم الذي سبق عصره، فهو فيلسوف فرنسي ومفكر اجتماعي، واقتصادي طوباوي، كان بمثابة صوت لا يهتف للمكائن، بل للإنسان، تحدّى واقعه بطرح نموذج اجتماعي بديل، لا يقوم على الجشع أو الصراع الطبقي، بل على الوئام والخيال والعمل التعاوني.
ولد فورييه في بيزنسون، فرنسا في 7 أبريل عام 1772، كان ابن رجل أعمال صغير، لكنه كان مهتمًا بالعمارة أكثر من تجارة والده، أراد أن يصبح مهندسًا، لكن لم تقبل مدرسة الهندسة العسكرية المحلية سوى أبناء النبلاء، قال فورييه لاحقًا إنه يشعر بالامتنان لأنه لم يستطع دراسة الهندسة، لأنها كانت ستستهلك الكثير من وقته وتبعده عن تحقيق رغبته الحقيقية في مساعدة البشرية.
كان فورييه يعتقد أن المجتمع الرأسمالي يُفسد طبيعة الإنسان، فطرح بديلاً طوباويًا أسماه "الفالانستير" وهو مجتمع صغير تعاوني مكوّن من حوالي 1600 فرد يعيشون ويعملون معًا في انسجام.
الفالانستير لم يكن مجرد مجتمع إنتاجي، بل بيئة نفسية وروحية تحقق شغف الإنسان الطبيعي، فالجميع يعمل وفق ميوله، والربح يُوزع بالتساوي بين العمل، رأس المال، والمهارة.
لم يكن فورييه مفكرًا "تقليديًا"، بل حملت أفكاره مسحة من الجنون الجميل: كان يؤمن بأن البحار ستتحول إلى شراب لذيذ (الليموناد) في المستقبل المثالي!، نادى بتحرر المرأة الكامل، واعتبر أن وضع المرأة هو المقياس الحقيقي لتحضر المجتمع، انتقد النظام التعليمي والسلطة الدينية، وحلم بعالم يُدار بالتعاون والحب، لا بالقوة.
رغم أن أفكاره لم تُطبق عمليًا بشكل واسع، إلا أن فورييه ألهم أجيالًا من الاشتراكيين الطوباويين، وأثر في كارل ماركس وإنجلز، وإنْ بطريقة غير مباشرة، كما أثرت طروحاته في الفكر النسوي، والحركات التعاونية حول العالم.
توفي فورييه في باريس عام 1837، فقيرًا ومغمورًا، لم يشهد الفالانستير النور في حياته، لكن أفكاره انتقلت عبر تلاميذه وأشعلت خيال الكثيرين.