السبت 12 ابريل 2025

بورتريه الهلال

يحيا الفخرانى .. شيخ الفن

  • 8-4-2025 | 18:24

يحيى الفخراني

طباعة
  • همت مصطفى

هو حكايةٌ تتنقّل على المسرح والشاشة، والإذاعة كما يتنقّل النَّسيم بين الأغصان.. وجهٌ مألوف كالقمر، وصوتٌ إذا نطق، أنصتت له الأرواح قبل الآذان، شيخٌ في الوقار، حكيمٌ في الأداء، متفرِّدٌ في الحضور، وكأنّ الفن قد لبس عباءته، واختار أن يسكن ملامحه.

في عينيه عمقٌ لا يُروى، وفي نبراته حنينٌ لوطنٍ فنيّ قديم، وفي ضحكته عبثٌ جميل يُذكّرنا أن الفن حياة والتمثيل وعي. إنه يحيى الفخراني «شيخ الفن» بلا منازع، عمود الخيمة الدرامية المصرية، الذي لا يقدّم دورًا، بل يبني عالمًا… عالمًا يسكنه الصدق، وتحرسه الموهبة، وتزيّنه روحٌ لا تشيخ.

ومن الطب إلى التمثيل، لم تكن رحلته مجرد انتقال، بل ولادة جديدة لفنان من طرازٍ نادر، يمسك بالشخصية كأنّه عاشها، ويتقمّص الدور كأنّه هو، لا غيره فهو الطبيب الفنان المبدع المتميز الذي أثرى رحلة الفن المصري لعقود طويلة ممتدة منذ السبعينيات وحتى سنواتنا الأخيرة الماضية.

محطات لا تُنسى في رحلة شيخ الفن

في البدء كان المسرح الجامعي

من المسرح إلى الشاشة، كان حضور يحيى الفخراني بمثابة الوحي الفني بدأ خطواته فوق خشبة المسرح الجامعي، لكنّ عينيه كانتا ترى أبعد.. نحو الفن بمعناه الأشمل، والأعمق، والأبقى.

مسرحيًا، كان له حضور يُشبه السحر من «الملك لير» إلى «ليلة من ألف ليلة»، «ياما في الجراب ياحاوي » كان يقف على الخشبة كما يقف الحكيم على منبر، يُعلّمنا أن التمثيل رسالة، وأن الجمهور لا يُصفّق فقط بل يُفكّر.

على شاشة التلفزيون.. بشر عامر وسليم البدري

 تلفزيونيًا، أبدع في أعمال درامية أصبحت جزءًا من ذاكرة كل بيت عربي: في المسلسل الذي سيظل عالقا في ذاكرة الجمهور المصري والعربي أيضا بأجزائه المتتالية «ليالي الحلمية»، لم يكن "سليم البدري» شخصية.. بل رمزًا لجيل، لقضية، لزمن وأيقونة بين الشخصيات الدرامية المصرية في المسلسلات المصرية، وفي «زيزينيا»، أبحر بنا إلى عوالم الإسكندرية بجمالها وطبقاتها ليكون بشخصية  بشر عامر عبد الظاهر ويكون السؤال والجواب و مفتاح السر وحل اللغز لحكاية مصرية على أرض الإسكندرية.

أما في «عباس الأبيض في اليوم الأسود» و«يتربى في عزو»، فقد جسّد الإنسان البسيط بكل تناقضاته… بخفة ظل، وصدق لا يُدرَّس.

وتألق «الفخراني»  في تقديم شخصية مهمة من شخصيات  المصرية  الحقيقة من خلال مسلسل شيخ العرب همام»  عن همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام ابن أبو صبيح سبيه الملقب بشيخ العرب همام (ولد عام1121 هـ / 1709 م في فرشوط محافظة قنا وتوفى عام 1183 هـ / 7 ديسمبر 1769 م)، من أشهر شخصيات الصعيد، وهو الابن البكر للشيخ يوسف زعيم قبائل الهوارة

والمسلسل تدور أحداثه حول شيخ العرب همام بن يوسف،  وهو الرجل الذي يملك الأراضي من المنيا إلى أسوان، وتتناول الأحداث الصراعات بين القبائل فى صعيد مصر، وتتطرق لقدرات الزعامة لدى الشيخ همام والذي استطاع جمع قبائل الصعيد تحت لواءه، بالإضافة لعلاقته بدولة المماليك.

 نجم السينما 

ومع السينما ترك الفخراني بصمة مهمة شارك في أعمال كلاسيكية خالدة مثل فقدم دور دكتور صلاح أبو العزم المقاوم للسموم البيضاء في فيلم «الكيف،  وفي أفلام «إعدام ميت، محاكمة علي بابا، أرض الأحلام، أنا وأنت وساعات السفر، خرج ولم يعد، الغيرة القاتلة، قاهر الظلام، آه ياليل يازمن»، وقام بدور الراوي في فيلم جمع نخبة من نجوم الفن وهو «عمارة يعقوبيان»عام 2006م،


وفي كل مرة، كان يثبت أن الفنان الحقيقي لا يُكرّر نفسه، بل يُجدّد روحه مع كل دور.

الفخراني.. مدرسة فنية
لم يكن يحيى الفخراني مجرد نجمًا، بل «أستاذ جيل»، ومُلهم لكل من جاء بعده، أدواره لم تكن أدوار تمثيل، بل مواقف حياة، ومرايا لواقعٍ نعيشه، لكنه يُقدّمه بطريقته، بعينيه، وبقلبٍ كبير ينبض بالفن.

فإن تحدّثنا عن يحيى الفخراني، فنحن لا نصف ممثلًا.. بل نؤرّخ لفصلٍ من فصول الإبداع المصري الخالد.

الأداء الصوتي في الأفلام والكارتون

وفي رحلة ممتعة ومختلفة من الفن والإبداع، كان «الفخراني» إسهامات عديدة ومتميزة من خلال الأداء الصوتي في الأفلام والكارتون، فقام بأداء صوت شخصية المأمور وودي في النسخة المدبلجة من فيلم حكاية لعبة و حكاية لعبة 2 لشركة والت ديزني.
 

قدم «الفخراني» دور الراعي في مسلسل الكرتون «قصص الحيوان في القرآن» الذي أنتج في العام 2011، وشاركه البطولة من الفنانين صلاح عبد الله وهشام سليم وحنان ترك وحنان مطاوع وفتحي عبد الوهاب وماجد الكدواني ومحمد رجب وآخرونن، قدم دور البحار في مسلسل الكرتون «قصص الإنسان في القرآن» الذي أنتج في العام 2012م.


قدم «الفخراني» دور القاضي صفي الدين في مسلسل الكرتون قصص النساء في القرآن الذي أنتج في العام 2013م، قدم دور «القاضي» في مسلسل الكرتون «عجائب القصص في القرآن» عام 2014م، قدم دور «القاضي صفي الدين» في مسلسل الكرتون قصص الآيات في القرآن» عام 2015م.

نجم لاينطفيء

وحين يُسدل الستار، لا ينطفئ نجمُه، بل يظلّ وميضًا في ذاكرة الفن، لا يغيب، فـ  «الفخراني»   ليس مجرد اسم في تترات المسلسلات… بل نبضٌ يسري في شرايين الدراما العربية، وبصمةٌ لا تُمحى من دفتر الفن الجميل.

هو من أولئك القلائل الذين إذا وقفوا على المسرح، وقف الزمن احترامًا، وإذا نطقوا، صمتت القلوب إصغاءً، دواره لا تُشاهد فقط، بل تُعاش.. تُبكينا، تُضحكنا، تهزّنا من الأعماق.. كأنها مرآة لأنفسنا، ولكن بعيونه هو.

ويبقى يحيى الفخراني، شيخ الفن، وسيد الحكاية، المعجون بالموهبة، ويغمره الشغف، الذي ما زال يمشي بيننا حاملًا عباءته الواسعة، كأنما الفن اختاره ناطقًا رسميًا باسمه؛ فإن كانت الدراما قصيدة.. فهو قافيتها، وإن كانت المسرحية صلاة.. فهو إمامها، وإن كانت السينما ذاكرة.. فهو عنوان الصفحة الأولى.

الاكثر قراءة