بين صفح جبال لبنان، نشأ فنان كان يؤمن بأن الجمال هو الوجه الحقيقي، والحب هو جوهر الحياة، حيث امتلأ قلبه بالحب والرومانسية والحرية، وظهر ذلك جالياً من خلال مؤلفاته وأعماله التي حملت كماً من المشاعر والأحاسيس الشجية، لتصبح كلاماته مثل الهمسات تتردد في الروح وتناجي الأفئدة المتعطشة للأمل، إنه جبران خليل جبران الأديب والشاعر والفنان الذي زرع الحب والتسامح والتأمل ليكتب سطورًا لا تموت، بل تتجدد كلما تلألأت الأعين وثارت القلوب وطربت الأذن من حروفه ورسوماته، كما جاء بصمت رحل بهدوء تاركًا إرثًا وصوتًا لا يخبو.
وُلد جبران في 6 يناير عام 1883م في قرية بشرّى شمالي لبنان، نشأ في أسرة فقيرة مسيحية مارونية، كان والده راعيًا للماشية، عُرف عنه طباعه القاسية، فكان يعامل ابنه وأفراد عائلته بالعنف والقسوة، حتى جاء يوم وقبض عليه بتهمة الفساد المالي.
قامت والدته كاميليا بأخذ جبران وهو صبيًا مع عائلته وهاجروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1895م، استقرت العائلة في بوسطن، وواجهوا الفقر والعديد من الصعاب، وعملت والدته خياطة، والتحق جبران بمدرسة محلية لتعلم اللغة الإنجليزية.
أخذ جبران يتردد على مؤسسة "دنسيون هاوس" الخيرية التي كانت تقدم دروسًا في الرسم، وهناك لفتت موهبته "جيسي" المساعدة الاجتماعية ذات النفوذ الكبير، والتي عرفته بصديقها المصور الشهير "فريد هولاند داي" الذي كان يدير دارًا للنشر في بوسطن، وكان له الأثر الكبير على الحياة الإبداعية لجبران.
قدم داي جبران لأصدقائه، وفي عام 1898م استُخدمت إحدى رسوماته كغلاف لإحدى الكتب، ولكن كان لجبران من ضمن مخططاته وطموحاته، مشروع آخر هو العودة إلى موطنه لبنان لدراسة اللغة العربية واتقانها في مدرسة الحكمة في بيروت على يد الخوري يوسف الحداد.
عاد جبران إلى بوسطن في 10 مايو 1902م، وقبل عودته بأسبوعين توفيت شقيقته سلطانة بالسل وهي في سن الرابعة عشرة، وفي العام التالي توفي شقيقه بطرس بنفس المرض، كما توفيت والدته بسبب السرطان، أما شقيقته ماريانا فقد عملت في متجر للخياطة.
كان أهم ما يميز جبران هو أسلوب بالرومانسية، ويعتبر من رموز عصر نهضة الأدب العربي الحديث، لا سيما في الشعر النثري، وكان فنانًا بارعًا، خاصة في الرسم والألوان المائية، حيث التحق بمدرسة الفنون أكاديمية جوليان في باريس.
أقام جبران معرضه الفني الأول لرسوماته وهو في الحادية والعشرين من عمره عام 1904م في بوسطن في استوديو دايز، وفي عام 1920م، أسس جبران خليل جبران الرابطة القلمية في نيويورك مع ميخائيل نعيمة، وعبد المسيح حداد، ونسيب عريضة، وإيليا أبو ماضي، ورشيد أيوب، وندرة حداد، ثم انضم إليها فيما بعد أحمد زكي أبو شادي، وتُعد تلك الرابطة وهي حركة أدبية تهدف إلى تجديد الأدب العربي وتحريره من الجمود.
تأثر جبران بالعديد من الفنانين والأدباء الغربيين، مثل وليم بليك، فريدريك نيتشه، والشعراء الرومانسيين، بعد فترة دراسية قصيرة في باريس، عاد إلى نيويورك، واستقر هناك وأصبح جزءاً من المجتمع الأدبي والفني.
استمر جبران في تحقيق المزيد من انجازاته وابدعاته الأدبية، حتى رحل في مستشفى بنيويورك يوم الجمعة 10 أبريل 1931م عن عمر ناهز 48 عامًا، وكان سبب وفاته تليف الكبد والسل.
دُفن جبران في صومعته القديمة بدير مار سركيس "القديس سرج" في لبنان، والتي تحولت لاحقًا إلى متحف عُرف باسم متحف جبران.