تستضيف سلطنة عُمان يوم السبت المقبل، جولة من المحدثات بين إيران والولايات المتحدة بشأن برنامج طهران النووي الذي يشهد تقدمًا سريعًا، وذلك بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إجراء محادثات مباشرة مع إيران، في اجتماع وصفه بالـ"كبير"، السبت المقبل، بينما ترفض إيران المحادثات المباشرة وتصر على إجراء مفاوضات غير مباشرة مع الجانب الأمريكي.
المحادثات النووية بين واشنطن وطهران
ورغم إعلان ترامب أعن عقد مفاوضاتٍ مباشرة مع طهران، صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن المحادثات ستجري بشكلٍ غير مباشر، عبر وسيط، مع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
تأتي المحادثات بعد قرار ترامب بفرض عقوباتٍ جديدةً على إيران في إطار حملة الضغط الأقصى التي تستهدفها، حيث أكد ترامب أن العمل العسكري ضد إيران واستهداف المواقع النووية الإيرانية لا يزال واردًا، مؤكدًا في الوقت نفسه اعتقاده بإمكانية التوصل إلى اتفاق جديد حسبما أكد في رسالته إلى المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي، التي أرسلها في 5 مارس الماضي.
وعن الرسالة، قال ترامب: "كتبتُ لهم رسالةً أقول فيها: 'آمل أن تتفاوضوا، لأنه إذا اضطررنا للتدخل عسكريًا، فسيكون ذلك أمرًا فظيعًا".
وعلى مدار سنوات تأرجحت إيران والولايات المتحدة بين العداء والدبلوماسية المترددة في السنوات التي تلت ذلك، حيث بلغت العلاقات ذروتها عندما أبرمت طهران الاتفاق النووي عام 2015 مع القوى العالمية، إلا أن ترامب انسحب من جانب واحد من الاتفاق في 2018 خلال ولايته الرئاسية الأولى، وردت إيران باستئناف أنشطتها النووية، ووصل برنامجها حتى الآن إلى مستويات مثيرة للقلق.
وتعد المحادثات المرتقبة أول محادثات مباشرة بين البلدين منذ 2015، حيث أكد مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، مايك والتز، في تصريحات سابقة له، الأحد الماضي، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تدعو طهران إلى التخلي عن برنامجها النووي بالكامل وإلا ستواجه العواقب، موضحا أن الوقت قد حان "لتخلي إيران تماماً عن سعيها لامتلاك أسلحة نووية، والضغط من أجل تفكيك كامل لبرنامجها لكن إيران تُصر على أنها لن تتخلى عن برنامجها النووي المدني.
وسيقود الوفد الأمريكي إلى المحادثات ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط، والذي شارك أيضًا في محادثات مع روسيا بشأن حرب أوكرانيا؛ بينما يقود الجانب الإيراني وزير خارجيته، عباس عراقجي.
وقال عراقجي: "برنامج إيران النووي سلمي تمامًا ومشروع. وقد أكد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 شرعيته. ولا شك في ذلك دوليًا. وإذا كانت لدى أي شخص أي أسئلة أو غموض، فنحن مستعدون للتوضيح. نحن واثقون من أن برنامجنا النووي سلمي، ولا نمانع في تعزيز الثقة فيه ما لم يُشكل قيدًا علينا أو يُمثل عقبة أمام أهداف إيران".
ما الموقف الإسرائيلي؟
أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، متحدثًا إلى جانب ترامب في البيت البيضاوي يوم الاثنين، على خيار ليبيا، حينما تخلى الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، في ديسمبر 2003، عن برنامج أسلحة الدمار الشامل في بلاده، وسمح للمفتشين الدوليين بالتحقق من أن طرابلس ستفي بالتزاماتها.
وقال نتنياهو: "إذا أمكن تنفيذ ذلك دبلوماسيا، وبشكل كامل، كما حدث في ليبيا، فأعتقد أن ذلك سيكون أمرا جيدا".
وفي رده على ذلك قال عراقجي لوسائل الإعلام الإيرانية، أمس الثلاثاء، إن آمال إسرائيل بشأن شكل البرنامج النووي الإيراني ستُتجاهل، مضيفا: "عندما يتعلق الأمر بآمال النظام الصهيوني بشأن شكل الاتفاق وما اقترحوه، فهذه آمالهم ولن تُؤخذ في الاعتبار في نهاية المطاف".
إيران ترفض المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة
فيما رفض الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة بشأن برنامج طهران النووي، حيث قال بزشكيان في تصريحات متلفزة خلال اجتماع لمجلس الوزراء: "نحن لا نتجنب المحادثات؛ إن نقض الوعود هو ما سبب لنا مشاكل حتى الآن"، مضيفا: "يجب أن يثبتوا قدرتهم على بناء الثقة".
فيما قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي في مقابلة مع وكالة "تسنيم" الإيرانية قبل تصريحات ترامب، إن "مسؤولية المفاوضات ستكون على عاتق وزارة الخارجية. اقتراح التفاوض المباشر غير مقبول لدينا للأسباب التي ذكرناها مرارًا وتكرارًا لكننا مستعدون للمفاوضات غير المباشرة عبر سلطنة عمان".
وأكد عراقجي أن المحادثات مع حكومة تهدد باستخدام القوة العسكرية وتتبع مواقف متناقضة غير مجدية. وفي الوقت نفسه، أشار إلى أن طهران لا تزال متمسكة بالحل السلمي وتفضل المفاوضات عبر وسطاء، أبرزهم سلطنة عمان.
فيما قال المرشد الإيراني: "إنهم يهددون بارتكاب أعمال عنف، لكننا لسنا متأكدين تمامًا من وقوع مثل هذه الأعمال"، مضيفا: "لا نعتقد أن من المرجح جدًا أن تأتي المشاكل من الخارج. ومع ذلك، إذا حدث ذلك، فسيواجهون بلا شك ضربة انتقامية قوية".
كذلك أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، عبر منصة التواصل الاجتماعي X: ، أن التهديد العلني بـ"قصف" من رئيس دولة ضد إيران يُعدّ إهانة صادمة لجوهر السلام والأمن الدوليين"، مضيفا: "العنف يُولّد العنف، والسلام يُولّد السلام. يمكن للولايات المتحدة أن تختار المسار... وتستسلم للعواقب".
فيما زعمت صحيفة طهران تايمز الحكومية، دون ذكر مصدر، أن إيران "جهزت صواريخ قادرة على ضرب مواقع مرتبطة بالولايات المتحدة".
حذّر علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى الإيراني، في مقابلة تلفزيونية من أن بلاده تمتلك القدرة على صنع أسلحة نووية، لكنها لا تسعى إلى ذلك، ولا تمانع في عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، موضحا أنه إذا هاجمت الولايات المتحدة أو إسرائيل إيران بسبب هذه القضية، فلن يكون أمام البلاد خيار سوى المضي قدمًا في تطوير الأسلحة النووية.
قال: "إذا أخطأتم في الملف النووي الإيراني، فستجبرون إيران على اتباع هذا المسار، لأنها مضطرة للدفاع عن نفسها".
يأتي ذلك في الوقت الذي نشرت فيه الولايات المتحدة قاذفات بي-2 الشبحية في قاعدة دييغو غارسيا الجوية على مقربة من إيران والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
لماذا يُقلق برنامج إيران النووي الغرب؟
أصرت إيران لعقود على أن برنامجها النووي سلمي، ومع ذلك، يُهدد مسؤولوها بشكل متزايد بالسعي إلى امتلاك سلاح نووي، حيث تُخصب إيران اليورانيوم الآن إلى ما يقارب 60% من مستويات الأسلحة، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تمتلك برنامجًا للأسلحة النووية وتقوم بذلك.
بموجب الاتفاق النووي الأصلي لعام 2015، سُمح لإيران بتخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء 3.67%، والاحتفاظ بمخزون من اليورانيوم يبلغ 300 كيلوجرام، لكن قدر آخر تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن برنامج إيران النووي مخزونها بـ 8,294.4 كيلوجرام، حيث تقوم بتخصيب جزء منه إلى درجة نقاء 60%.
وأظهر التقرير في فبراير الماضي أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء 60% قد زاد بشكل حاد منذ ديسمبر، ويقول الخبراء إن الوصول إلى نسبة تخصيب 90% - وهي الحد الأدنى لمواد صالحة للاستخدام في صنع الأسلحة - أصبح سهلًا نسبيًا منذ ذلك الحين.
فيما تقدر وكالات الاستخبارات الأمريكية أن إيران لم تبدأ بعد برنامجًا للأسلحة النووية، لكنها "قامت بأنشطة تُمكّنها من إنتاج سلاح نووي، إذا اختارت ذلك".