قال خبراء ومتخصصون مشاركون في إحدى جلسات "مؤتمر الشارقة لأمناء مكتبات المدارس"، إن بناء مكتبات مدرسية فعالة يبدأ من شغف أمنائها ورؤيتهم، ويعتمد على قدرتهم في تحويل المكتبة إلى مساحة تواصل وتعبير للطلبة، من خلال بناء الثقة مع الطلاب والإدارة التعليمية.
وأكد المتحدثون، خلال المؤتمر الذي تنظمه "هيئة الشارقة للكتاب"، على أهمية فهم اهتمامات الطلبة لتصميم برامج قرائية محفزة، والتعامل مع تقييم القراءة كأداة لقياس النمو الفردي في الفهم والتحليل، لا كمقارنة بين الطلاب، مما يفتح آفاقاً أوسع لتنمية حب المعرفة والاستكشاف.
تقييم قراءة الطلاب وتعلمهم
وتحت عنوان "تقييم قراءة الطلاب وتعلمهم" عقدت جلسة قدّمتها الدكتورة إليزابيث بيرنز، الأستاذة المشاركة في جامعة أولد دومينيون بولاية فيرجينيا الأمريكية، رؤية متقدمة حول أهمية تقييم مهارات الطلاب في القراءة والفهم ضمن بيئة المكتبات المدرسية، مؤكدة أن التقييم الفعال يجب أن لا يقتصر على الأرقام، بل ينبغي أن يعكس رحلة التعلم الفردية لكل طالب، ويُبنى على معايير دقيقة تُسهم في دعم النمو الأكاديمي وتحسين جودة التعليم.
وأوضحت بيرنز أن أساليب التقييم التقليدية تفتقر إلى العمق؛ إذ غالباً ما يركّز الطلاب على إنجاز المهام فقط بدلاً من التعلّم الحقيقي. ولفتت إلى أن التقييم القائم على الحافز الداخلي يعزز دافعية التعلم، ويجعل القراءة تجربة ممتعة وليست مجرد وسيلة للحصول على درجات. كما أشارت إلى أن فهم اهتمامات الطلاب وما يثير فضولهم المعرفي يفتح المجال لبناء خطط تعليمية أكثر فاعلية ترتكز على تنمية حب الاستكشاف.
وأكدت بيرنز أن الهدف من تقييم مهارات الطلاب في المكتبات المدرسية ليس المقارنة بينهم، بل فهم تطورهم المعرفي من نقطة البداية وحتى الوصول إلى مراحل متقدمة من الفهم والقدرة على التحليل.
كسر الحواجز بين المعلمين والإداريين والطلاب
وفي خطاب عنوانه "كسر الحواجز بين المعلمين والإداريين والطلاب"، قدّمت شارلوت تشونغ، المتخصصة الإعلامية في مدرسة صنكريست الابتدائية بولاية فيرجينيا الغربية، تجربتها العملية في تحويل مكتبة المدرسة من مساحة مهمشة إلى قلب نابض بالحياة داخل المجتمع المدرسي. واستعرضت كيف أن المكتبة أصبحت خلال ثلاث سنوات فقط مركزاً جذّاباً للطلاب والمعلمين، بفضل مبادراتها التي ركّزت على بناء علاقات إنسانية قوية مع الطلاب، وفتح أبواب التعاون مع الهيئة الإدارية، وتوفير بيئة ترفيهية ومعرفية تحتفي بالقراءة.
وأكدت تشونغ أن بناء الثقة مع الطلاب والإدارة شكّل حجر الأساس لهذا التحول، مشيرة إلى أن المكتبة أصبحت مساحة تواصل يومي يعبّر فيها الطلبة عن أنفسهم، ويتشاركون اهتماماتهم القرائية، حتى إنها تحوّلت إلى "صالون اجتماعي" يعكس شعور الانتماء للمكان. كما أشارت إلى أنها طوّرت نظام إعارة مرناً يلبي رغبات الطلبة والمعلمين ويعزز الشراكة مع مكتبات المدينة، مضيفة: "المكتبات العظيمة تُبنى على أيدي أمناء مكتبات يملكون الشغف والرؤية، وهذا ما يصنع الفرق الحقيقي".
استراتيجيات تحبيب القراءة لدى القارئ المتردد
وفي جلسة حملت عنوان "ذات مرة في كتاب: استراتيجيات إبداعية لإشعال حب القراءة لدى القارئ المتردد"، استعرضت الدكتورة فوزية جيلاني-ويليامز، مديرة برامج الإثراء الإبداعي للأطفال في معهد "قصص العيد"، مجموعة من التجارب الميدانية التي خاضتها في مدينة العين لتعزيز العلاقة بين الأطفال والكتب. وأكدت أن الروايات التي تعكس البيئة والثقافة المحلية تمثل نقطة انطلاق فعالة في جذب الأطفال المترددين للقراءة، لأنها تتيح لهم رؤية أنفسهم في القصص وتُشعرهم بأن عالم الكتب قريب من واقعهم ومشاعرهم.
وأشارت جيلاني إلى أن الأطفال بطبيعتهم قرّاء رائعون، لكنهم بحاجة إلى محفّزين يرشدونهم نحو عوالم الكتب ويجعلون من القراءة تجربة ممتعة. وروت كيف تغيّر سلوك الأطفال الذين كانت ترافقهم إلى معرض العين للكتاب، من التردد واللامبالاة إلى الحماس والنقاش النشط حول الكتب وأسعارها وموضوعاتها؛ نتيجة لجهود تهيئة البيئة القرائية المناسبة. كما شددت جيلاني على أهمية دور الأسرة، مؤكدة أن الآباء والأمهات يشكلون حجر الأساس في ترسيخ عادة القراءة لدى أبنائهم، واستعرضت مجموعة من رسائل الفيديو المصورة التي عبّر فيها الأطفال وأولياء الأمور عن ارتباطهم العميق بالقراءة.