بعد فترة وجيزة من الهدوء، عادت الولايات المتحدة الأمريكية لتكشر عن أنيابها لطهران، جراء برنامجها النووي الذي تعقد معها مفاوضات بشأنه، غير مستبعدة تفعيل الخيار العسكري الذي يُجهز له فعليًا بمشاركة إسرائيلية حال فشل المسار الدبلوماسي في التوصل إلى انفراجة في هذا الأمر.
تهديد أمريكي
وفي آخر حديث له حول ذلك الموضوع، لم يستبعد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تفعيل الخيار العسكري ضد طهران في حال عدم التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، في خضم المفاوضات المعقودة بين البلدين.
وجاء حديث الرئيس الأمريكي تعقيبًا على إفادة صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بأن إسرائيل تستعد لهجوم على بعض المنشآت النووية الإيرانية الشهر القادم، لكن هذه الخطة أجلها هو بدوره لصالح التفاوض على اتفاق مع طهران للحد من برنامجها النووي.
غير أن هيئة البث الإسرائيلية أفادت بأن تسع طائرات نقل أمريكية محملة بقنابل خارقة للتحصينات هبطت في قاعدة "نيفاتيم" الجوية على مقربة من مدينة تل أبيب وسط إسرائيل، في غضون الساعات الأخيرة، تحسبًا لضربة أمريكية إسرائيلية محتملة في حال فشل المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، ما يعني أن هناك إجراءات عملية بدأت تتخذ للجوء للخيار العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية.
وعمليًا كذلك، عززت الولايات المتحدة قواتها وأسطولها البحري في الشرق الأوسط، فيما عده مراقبون تحضيرًا لتفعيل الخيار العسكري ضد طهران.
ويأتي ذلك في ظل ترقب جولة ثانية من المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران حول برنامج الأخيرة النووي في العاصمة الإيطالية روما، وذلك بعد الجولة الأولى التي عقدت في سلطنة عُمان ووصفت محادثاتها بـ"البناءة" والإيجابية.
وفي غضون ذلك، تطرح العديد من التساؤلات حول ما سيؤول إليه المشهد بين طرفين: هل تنجح الدبلوماسية في حسم مسألة البرنامج النووي الإيراني، أم أننا قد نشاهد الخيار العسكري الذي تهدد به الولايات المتحدة بين الحين والآخر.
وفي إجابة على ذلك، أكد مراقبون أن تلويح الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام الخيار العسكري ضد طهران يأتي للضغط عليها في سياق المفاوضات بشأن برنامجها النووي، لا أكثر.
ورأى المراقبون، أن الولايات المتحدة تفضل حل مسألة البرنامج النووي الإيراني بشكل سلمي من خلال العمل الدبلوماسي، مستبعدين بذلك احتمال تطور الأمور إلى العمل العسكري.
ضغط في سياق المفاوضات
وفي إطار ذلك، يستبعد اللواء أركان حرب دكتور سمير فرج، الخبير العسكري والاستراتيجي، إقدام الولايات المتحدة على تفعيل الخيار العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، معتبرًا أن ذلك يأتي في سبيل التهديد فقط لا أكثر.
وأكد اللواء سمير فرج، في حديث لـ"دار الهلال"، أن الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، ترغب في حل مسألة البرنامج النووي الإيراني دبلوماسيًا، وهي في صدد ذلك بالفعل.
وأوضح أن لغة التهديد الأمريكية تأتي حاليًا في سياق الضغط على إيران في إطار المفاوضات، حيث إن من يجلس على طاولة المفاوضات يستمد قوته من أمرين: أولًا، القوة العسكرية ومدى إمكانية استخدامها، ثانيًا، ما وضعي على الأرض حال نشبت حرب: هل أنا مخترق أم ذو وضع جيد.
وشدد على أن الولايات المتحدة تتمتع بهذين الأمرين، حيث إن هناك إسرائيل، التي ستساعدها حال نشوب مواجهة عسكرية، كذلك هناك القواعد العسكرية الأمريكية في دول الخليج، ولذا فإن الولايات المتحدة تهدد طهران بهذه القوة حال عدم إبرام اتفاق بشأن برنامجها النووي.
الخبير العسكري والاستراتيجي أضاف أن "رسائل الولايات المتحدة هذه بمثابة مصدر قوة للمفاوض على طاولة المحادثات. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة ترغب في حل هذا الموضوع بشكل سلمي".
وتأكيدًا على ما سبق، أشار إلى أن الولايات المتحدة رفضت إعطاء إذن لإسرائيل باستهداف المنشآت النووية الإيرانية، وذلك بغرض الحفاظ على استقرار المنطقة بالدرجة الأولى، وكذلك العالم لما تمثله هذه المنطقة من أهمية استراتيجية.
وعلى هذا الاعتبار، فإن الولايات المتحدة ترغب في حل المسألة بشكل سلمي عبر العمل الدبلوماسي، حسب فرج، الذي أكد أن الحل العسكري أمر مستبعد.
سياسة العصا والجزرة
وقد اتفق السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، مع ما أشار إليه "فرج"، حيث استبعد أن تلجأ الولايات المتحدة إلى استخدام الخيار العسكري ضد طهران.
وقال السفير جمال بيومي، في حديث لـ"دار الهلال"، إن الحديث الأمريكي عن استخدام القوة ضد إيران يأتي في ضوء ما يعرف بـ"سياسة العصا والجزرة"، بمعنى أنها تبدي مرونة تارة، وتارة أخرى تبدي تشددًا.
وأشار في هذا السياق إلى أن إسرائيل تتمنى أن تحصل على ضوء أخضر أمريكي لضرب المنشآت النووية الإيرانية، لكن الولايات المتحدة ترفض.
وعزى بيومي رفض الولايات المتحدة أن تقوم إسرائيل باستهداف المنشآت النووية الإيرانية إلى أنها تدرك أن شأن ذلك، أن يجعل العالم العربي بأكمله يصطف ضد إسرائيل، وذلك لتدخلها فقط.
ومضى مؤكدًا، أن الولايات المتحدة ما تزال حتى هذه اللحظة تفضل العمل الدبلوماسي على العمل العسكري في التعامل مع الملف النووي الإيراني، وبالرغم من مزاج الرئيس دونالد ترامب "المتقلب"، فإن وزارات كالخارجية والدفاع ما تزال تضم عقلاء، الذين يوجهون له النصائح في مثل هذه المواضيع الحساسة.
وأكد أن سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد فشلت في العديد من الملفات، بعضها شديد الأهمية، مثل الملف الأوروبي والصيني، ناهيك عن الفشل في حل الأزمة الروسية الأوكرانية، وكذلك في وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ومع ذلك، فإنه يؤكد من جانبه أنه ما دامت المحادثات الأمريكية الإيرانية مستمرة بخصوص ملف طهران النووي، فإن التفاؤل سيظل يُخيِم عليهار غير أنه يشير إلى أن هناك اعتبارات وملفات أخرى قد تدخل على الخط، مما قد يؤدي في النهاية إلى فشل هذه المحادثات.