السبت 10 مايو 2025

مقالات

المسرح المصري إنتاج غزير وغياب الجمهور ورفض النقد

  • 19-4-2025 | 10:42
طباعة

يعد المسرح المصري واحداً من المسارح ذات الإنتاج الغزير ليس على مستوى الوطن العربي فحسب بل على المستوى العالمي، فالمسرح المصري ينتج عبر قنوات عديدة تبدأ من المسرح الرسمي للدولة عبر فرق القطاع العام للبيتين الفني للمسرح والفني للفنون الشعبية،  وهي تقدم عددا من العروض المنتجة  لا بأس به بعيدا عن المستوى الفني الذي سنتحدث عنه فيما بعد

وهناك فرق الهيئة العامة لقصور الثقافة  وما يطلق عليها فرق الثقافة الجماهيرية  وهي فرق منتشرة في ربوع مصر وتقدم ما يقترب من مائة عرض سنوياً بالإضافة إلى عروض نوادي المسرح قليلة التكلفة، وتصل إلى أكثر من مائتي عرض كل ذلك وهناك نوافذ أخرى تعتمد علي المهرجانات  سواء الرسمية للدولة ومنها مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والذي يعد النافذة للتعرف والتواصل مع المسرح في العالم، والمهرجان القومي الذي يعد نافذة عرض لإنتاجات العام من المسرح المحلي في كافة الجهات، والمهرجان الجامعي وهو رافد مهم  من روافد المسرح المصري بالإضافة لمهرجان شرم الشيخ الذي يقدم عروضه في شرم الشيخ ومهرجان مسرح الجنوب الذي يقدم عروضه في صعيد مصر بالإضافة لبعض المهرجانات الدولية مثل المونودراما والدولى الجامعي وغيرهم.  وكذلك عروض المسرح المستقل التي أصبحت قليلة مقارنة بفترة التسعينيات هذه هي مساحة العروض المصرية التي تؤكد على وجود كم كبير من المسرحيات المعروضة والتي تشير في ظاهرها إلى الاهتمام بالمسرح وزيادة جمهوره.

جمهور المسرح

رغم هذا الكم من العروض والتي قد تتعدى الألف عرض في العام إلا أن الحقيقة التي نعلمها أن المسرح يفتقد للجمهور، فمعظم عروض مسرح الدولة تعاني من قلة الرواد لأسباب كثيرة منها أسباب اقتصادية وأخرى فكرية، فلم يعتد الجمهور على ارتياد المسرح لعدم الوعي بدوره خاصة أن ما يقدمه التليفزيون هو صورة المسرح الكوميدى، ومعظمه مسرح يفتقد إلى الجدية مثل مسرح مصر الذي لا يتعدى كونه مسرحاً للاسكتشات والإفيهات  الهابطة بل وصل الأمر إلى السخرية من الأعمال الجادة والشخصيات الجادة.  لذلك ارتبط المسرح بالصورة الذهنية التي يقدمها  التلفزيون عن المسرح، فأصبح من يذهب  مصادفة إلى المسرح يجد صورة مغايرة فينفر من المسرح الجاد.  وهذا لا يعفي مسارح الدولة من بعد الجمهور لأنها أيضاً تشارك عبر اختيار وتقديم عروض لا تهم الجمهور في موضوعاتها ولا تقدم له المتعة التي يحتاجها.

ولي رأى  شخصي في ذلك الأمر  أن مزاج جمهورنا في مثل هذه الطروف وبشكل عام هو مزاج كوميدي، الأمر الذي يتطلب تقديم واقعنا في شكل كوميدي جاذب  فقد رأينا وعلى سبيل المثال عرض قصص تحت الاحتلال لفرقة القصبة الفلسطينية يقدم معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال في صورة كوميدية ساخرة.

 تبقى المشكلة الاقتصادية  ويمكن التغلب عليها عبر اشتراكات خاصة لطلاب الجامعات والموظفين بحيث يمكن لهم ارتياد المسارح بتكلفة بسيطة انطلاقاً من كون المسرح خدمة ثقافية.

المهرجانات وتأثيرها على الحركة المسرحية

أعتقد أن  المهرجان الوحيد الذي أثر في الحركة المسرحية في مصر بل والوطن العربي هو المهرجان التجريبي بسبب العروض المهمة التي  شاهدناها عبر الدورات المختلفة، خاصة الدورات الأولى فكان معرفة المسرح الحركي ولغات الجسد ومسرح الصورة  وتوظيف لغات المسرح كلها عبر دلالات متعددة.

فقد حرك المهرجان الحالة المسرحية وصدمت النقاد والمسرحيين كلمة المسرح التجريبي فكانت هذه التعريفات المتعددة. غير أن المهرجان بالفعل فجر مشكلة المصطلح والتي ظلت فترة طويلة محل جدل.

غير أن المسرحيين انطلقوا نحو محاولاتهم التجريبية وأصبح التجريب عندهم هو "قمة التحول حيث لا مكان للمطلق بل النسبي، ولا وجود للثابت بل المتحول، ولا اقتناع بحدود الإجابة المغلقة بل المدى المفتوح للسؤال ولا سلطة سوى سلطة الوعي الذي يتحرر، ويعلن التحرر من الإذعان والخدر والخنوع الذي يتسرب إلى عقولنا ونفوسنا بحكم العرف والعادة والتقاليد.

إن المهرجان التجريبي كان بداية للتحرر من قوالب قديمة ومن أشكال ثابتة بل وأفكار تعتبر نفسها هي الصحيحة فقد أفرز فكرة التعدد فكانت هناك العروض التي تشمل لغة الكلمة المنطوقة وتعتمد على نص مكتوب حتى لو كان نصاً كلاسيكياً، لكن أطلقت العنان للمبدع المخرج صاحب العرض للتعامل مع النص وتفكيكه حيث انتشرت مقولة موت المؤلف فأصبحت هناك تقنيات مختلفة تعتمد على تحطيم سلطة النص والتتابع المنطقي كما ظهرت أفكار مسرح الصورة، فكانت الكتابة على طريقة السيناريو وهي ما كانت أيضاً في حالة مسرح الجسد سواء الرقص أو التعبير الجسدي وتداخلت الفنون في العرض الواحد ولم تعد هناك فوارق في الأنواع حيث أصبح المعنى العام للتجريب في العالم المعاصر قرين إلغاء الحواجز المصطنعة بالأنواع، تحطيم الجدران الفاصلة بين الفنون وقرين تفاعل الفنون والأنواع والعلاقات حيث المزج العفوي للجسد الذي يبسط حضوره على خشبة المسرح عفياً غنياً، متمرداً، حائراً، شاكاَ، راقصاً، مغنياً محاوراً نفسه ومحاوراً غيره متوجاً بالوعد، مرهفاً بالدلالة، خالقاً جماليات الجسد في الحركة وبالحركة وجماليات غياب الكلمة المنطوقة التي قد تضمنت حين يتكلم الجسد، ويقول ما تعجز عنه الكلمات ويصبح حضوره الكلمة التي تؤازرها الألوان والأضواء والنغمات 
ذلك ما أدى إلى تنوع أشكال العروض وتنوع تقنياتها بداية من تنوع أشكال وتقنيات الكتابة مروراً بالعرض المسرحي.

التجريبي والتأثير على نوادي المسرح

وتعد نوادي المسرح التي رعاها المخرج سامي طه لفترة طويلة هي أهم حركة أنتجتها الثقافة الجماهيرية وتأثرت بمفاهيم التجريب وعروضه حتى أن إدارة المسرح بالثقافة الجماهيرية كانت تستضيف الهواة من الأقاليم لحضور المهرجان و التعرف على الاتجاهات الجديدة  وقد أدى ذلك إلى عروض مهمة شاركت في المهرجان نفسه حتي فاز عرض "كلام في سري" للمخرجة ريهام عبدالرازق بأفضل عمل جماعي في إحدى دورات المهرجان، كما كان لهذه الحركة تأثير كبير على المسرح الجامعي فكان التطور الهائل في عروض المسرح الجامعي الذي يعد أحد أهم ماينتج في المسرح المصري حاليا. أما باقي المهرجانات معظمها  مجرد تجمعات للمسرحيين.

ومشكلة عروض الهواة والجامعات بل والمهرجانات أن جمهورهم من الخاصة والمعارف والأصدقاء، وهو ما يفقدنا الوصول إلى الجمهور الحقيقي.

الحركة النقدية

يعد النقد هو المرحلة الأخيرة من العملية الإبداعية، فبه يكتمل الإبداع الذى يبدأ بالمؤلف مروراً بالإخراج بتصوراته ورؤيته وحتى العرض وعملية التلقى.  وقد يرى البعض أن النقد عملية هامشية وأنها تأتى من مبدع فاشل . والحقيقة أن  الناقد هو عين المبدع  الخارجية والتى ترى العمل الفنى من بعيد  حيث تتيح له المسافة البعيدة عن الإغراق فى العملية الإبداعية رؤية العمل  بعيوبه ومحسناته.  بينما الفنان المبدع يكون غارقاً فى التفاصيل  ويحتاج لهذه العين الثاقبة التى تعينه وهى عين الناقد.  ولا يوجد عداء بين الناقد والمبدع فكلاهما له دوره الذى يكمل العملية الإبداعية. غير أن السائد أن الناقد هو عدو الفنان وقد أصبح الناقد هو الشخص المكروه، ولما كان هناك تطور فكرى وتكنولوجى وانتشرت نظريات عديدة فى الفن فقد أصبحت تلك النظريات فرصة لبعض الكارهين للنقد والنقاد- ودون وعى منهم- فرصة دون فهم صحيح النظريات أو للثقافة السمعية دون قراءة النظريات  لمحاربة النقد فكما أصبح بعض المخرجين يتخذون من  فكرة موت المؤلف ذريعة لهدم النص وكتابته من جديد دون فهم أن أساس النظرية يقوم على إعادة تفسير النص وليس كتابته من جديد، لأن كتابة النص من جديد هى عملية ابداعية  جديدة ترتكز على نص، والحقيقة أن بعض  النقاد ساهم فى ازدراء النقد وذلك للسطحية فى التناول وعدم القدرة على التحليل والبحث عن أدوات لنقد العمل فليست هناك ثوابت  للأدوات النقدية، والناقد يجب أن يكون موسوعياً ومطلعاً على كافة التجارب الجديدة والبحث عن أدوات لقراءتها  فقراءة العمل المعتمد على الصورة أو الجسد تختلف عن قراءة عمل يعتمد على اللغة المنطوقة  مثلاً. تلك موهبة يجب أن يتحلى بها الناقد، لأن عمله هو قراءة للعمل الفنى وبالتالى هو مرحلة إبداعية تكمل  عملية الإبداع وتبدأ بالتحليل للعمل من داخله باحثاً عن أدوات ربط أفكاره وجمالياته وحسب المنهج المستخدم والذى قد يمزج ما بين العمل وواقعه والمجتمع الذى يقدم فيه.

غير أن العملية النقدية ترتبط كلياً بالمبدع السابق وخاصة المخرج والممثل  والمؤلف أيضاً. وقد لاحظت خلال الأونة الأخيرة  رفض  البعض للنقد والحقيقة أن هناك أسبابا كثيرة لذلك  منها الثقافة السمعية لبعض المبدعين خاصة فى مراحلهم الأولى ولمجرد فوزه مرة  فى مسابقة ما أصبح يعتقد  كماله وتفوقه  فيصم أذنه عن النقد والنقاد متناسياً أن الفوز قد يكون بسبب أنه الأفضل فيما تسابق معه، ولكن لا يعنى أنه مكتمل،  فمهما كان العمل الفنى  فهناك ملاحظات  لأن الكمال لله وحده.   كذلك الناقد ذاته الذى قد يعجز عن القراءة أو يخشى غضب البعض فيجامل أو يسطح. إن غياب الوعى بالدور الذى يلعبه الناقد سواء من الناقد نفسه أو من المبدع هو  أحد اهم الأسباب فى غياب النقد فعلى المبدع أن يعى أن دوره ينتهى بمجرد تقديم العمل، وأن دور الناقد يبدأ فى نفس اللحظة وأنه لاعداوة بين الطرفين.  نحن فى حاجة لمزيد من الوعى بالعلاقة بين الطرفين لأنه لا إبداع بدون نقد ولا نقد بدون إبداع والمسئولية على كافة الأطراف ومع كل ذلك سيبقى النقد والنقاد، وللعلم كما يحدث فى الإبداع نفسه فالثمين يطرد الغث فيبقى المبدع الحقيقى والناقد الحقيقى والمهم المثابرة، وأذكر كلمات الكاتب المسرحى  سامح عثمان لى ذات يوم أننا  نحبك رغم أنك ترحنا والسبب أننا نرى فيك الصدق ونفس الكلمات قالها لى المخرج محمد الجناينى الذى غضب من تقييمى لأحد عروضه  ثم  حدث تطوره فيما بعد فقال لى كنت على حق واستفدت من صدقك وقراءتك  تلك هى العلاقة التى  قد يكتفها البعض متأخراً  ولذلك على الناقد المثابرة وعدم التراج. 

كلمة أخيرة

يحتاج المسرح إلى الدعم فهو أحد وسائل التنوير ضد تيارات التطرف الفكري، فالمسرح ليس رفاهية رغم ما يقدمه من متعة، كما نحتاج لوسائل دعمه ووصوله إلى الجمهور في كل بقاع مصر بعيداً عن المركزية  في القاهرة، ونحتاج إلى أساليب دعاية غير الاعتماد على السوشيال ميديا، وقد يكون ذلك بالتعاون مع شركات الاتصالات عبر الرسائل النصية  وغير ذلك مع خفض  أسعار التذاكر وإلغاء ضريبة الملاهي فالمسرح يخدم المجتمع والسلطة ويبعد المتلقي عن التطرف.

الاكثر قراءة