من عباءة الأدب الإنجليزي واحد من أبرز رواد الرواية الحديثة وهو هنري فيلدنغ، لم يكن مجرد كاتب، بل كان قاضيًا، وصحفيًا، ومصلحًا اجتماعيًا، وصوتًا نقديًا في وجه الفساد والمجتمع الأرستقراطي الإنجليزي.
وُلد هنري فيلدنغ في 22 أبريل 1707 في مقاطعة سومرست بإنجلترا لعائلة من النبلاء، تلقى تعليمه في كلية إيتون، ثم واصل دراسته في الحقوق، لكن شغفه الأول كان المسرح، حيث بدأ حياته المهنية ككاتب مسرحي في لندن، وسرعان ما اكتسب شهرة كبيرة بسبب أعماله الساخرة التي لم ترحم النفاق الاجتماعي والسياسي.
واجه فيلدنغ الرقابة بشكل مباشر عندما تم تمرير "قانون الترخيص المسرحي" عام 1737، وهو ما وضع حدًا لحريته كمؤلف مسرحي، خصوصًا بسبب سخريته اللاذعة من الحكومة، هذا الحدث غيّر مسار حياته، ليتحول من المسرح إلى الرواية والقانون.
في عام 1749، كتب عمله الأشهر "توم جونز" ، الذي لا يزال حتى اليوم يعتبر من أعظم الروايات الإنجليزية، بأسلوبه الساخر والمباشر، رسم فيلدنغ صورة بانورامية للمجتمع الإنجليزي، مستخدمًا حبكة ذكية وشخصيات نابضة بالحياة، مما جعله واحدًا من الآباء المؤسسين لشكل الرواية الواقعية.
بجانب أدبه، كان فيلدنغ قاضيًا في محكمة ويستمينستر، وعُرف بكونه صارمًا ولكن عادلًا، ساهم أيضًا في تأسيس أول قوة شرطة منظمة في لندن، تُعرف باسم Bow Street Runners، وهو ما جعله أحد أوائل دعاة العدالة الاجتماعية والإصلاح القانوني.
توفي هنري فيلدنغ في عام 1754 عن عمر 47 عامًا في لشبونة، البرتغال، حيث ذهب بحثًا عن العلاج من مرض الكبد، لكنه ترك أثرًا لا يُمحى في الأدب، وكان من أوائل من منحوا الرواية الإنجليزية روحًا واقعية وعينًا نقدية ساخرة.