أكد عدد من الخبراء أن مرافعة مصر أمام محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة تأتي في إطار مواصلة الجهود الدبلوماسية المصرية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، في ظل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحقهم.
وشدد الخبراء لـ"دار الهلال" على أن الدولة المصرية، عبر النقاط التي أثارتها في مرافعتها، بدايةً من استهداف الفلسطينيين على أرضهم، وانتهاءً إلى استهداف الوكالات الأممية، تكشف الصورة الحقيقية للاحتلال أمام العالم، التي يعمد هو إلى ترويج غيرها.
وتقدمت مصر، أمس الاثنين، بمرافعة شفهية أمام محكمة العدل الدولية، وذلك في ضوء طلب الرأي الاستشاري المقدم من الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى المحكمة بشأن التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الدبلوماسية المصرية تحاصر إسرائيل
وفي تعقيبه على ذلك، أكد السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن المرافعة المصرية أمام محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تأتي في إطار مواصلة الجهد الدبلوماسي المصري، الذي يحاصر إسرائيل من أكثر من ناحية ويكشف حقيقتها أمام كافة الجهات الدولية.
وأشار إلى أن إسرائيل نشأت بناءً على قرار صادر عن الأمم المتحدة في عام 1948، ومع ذلك، فإنها لا تبدي أي احترام أو اكتراث لقوانين المنظمة التي أنشأتها.
وشدد على أنه في ظل الجهود الدبلوماسية التي تحاصر إسرائيل بسبب تصرفاتها "غير المسؤولة"، خاصة فيما يتعلق بالفلسطينيين، فإنها أصبحت "معزولة" في الأمم المتحدة، حيث إن الحقوق الفلسطينية أصبحت تنتصر بأغلبية ساحقة داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك في مجلس الأمن التابع لها، الذي أصبح يؤيد الحق الفلسطيني بـ14 صوتًا، مقابل صوت الولايات المتحدة التي تعطل قراراته بحق "الفيتو".
وأكد أن مصر نجحت بشكل قوي في دعم القضية الفلسطينية من الناحية الدبلوماسية، وها هي تستكمل هذا النجاح عبر المسار القضائي، في إشارة إلى مرافعتها أمام محكمة العدل الدولية.
ولفت السفير جمال بيومي، إلى أن هذه الإجراءات تزيد الضغط على إسرائيل على شاكلة قرار محكمة الجنايات الدولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي على إثره أصبح لا يغادر البلاد خشية الاعتقال.
وفي السياق، قال إن إسرائيل لم تترك أي ملف أساءت له، ولذا نجد أن المرافعة المصرية ركزت على أكثر من قضية، بداية من استهداف المواطن الفلسطيني على أرضه، انتهاءً إلى استهداف وكالات الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن هذا يجعل العالم يتطلع بصورة واضحة إلى حقيقة إسرائيل، لأن هناك كثيرًا من الدول تجهل هذه الحقائق.
وأفاد بأنه في حال صدور قرار يقضي بأن الاحتلال الإسرائيلي الممتد للأراضي الفلسطينية يمثل انتهاكًا للقانون الدولي، فهذا سيجعل دولًا، كالتي في الاتحاد الأوروبي، تتردد في إعطاء المساعدات لإسرائيل، خاصة أن هذه دول كانت تلجأ حال قصف إسرائيل، مدعومة أوروبيًا، إلى خصم التكلفة من المساعدات، مؤكدًا أن هذا كله يزيد الضغط على "تل أبيب".
كشف الصورة الحقيقة للمحتل
من جانبه، وصف كمال يونس، خبير القانون الدولي، مرافعة مصر أمام محكمة العدل الدولية بخصوص التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة بـ"المشرفة".
وأكد كمال يونس، أن الدولة المصرية داخل محكمة العدل الدولية أصبح لها كيان ووضع ومجال للاحترام، مشددًا على أن مرافعة مصر بشأن التزامات إسرائيل كانت تصب في الموضوع، وتؤيدها البراهين والدلائل القوية على الانتهاكات التي يقوم بها ما أسماه بـ"الكيان الصهيوني".
ونوه إلى أن النقاط التي أثارتها الدولة المصرية في مرافعتها ستكون محل اعتبار في أي قرار تتخذه محكمة العدل الدولية تجاه "إسرائيل" جراء انتهاكاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وشدد على أن مصر بهذا النحو تعمد إلى كشف حقيقة إسرائيل وما تخفيه، خصوصًا أن لها أساليب متلوية، وهناك من يعاونه في ذلك، لكن شاء القدر أن تقوم دبلوماسية الدولة المصرية في المحافل الدولية بإظهار صورتها الحقيقية أمام العالم.
وثمّن كمال يونس في هذا السياق الجهود التي تبذلها الدولة المصرية لإظهار الصورة الحقيقية للمحتل الإسرائيلي، داعيًا إلى استمرارها حتى لا ينجذب العالم إلى الأكاذيب التي يروجها.
وفي حال صدور قرار يقضي بأن الاحتلال الإسرائيلي الممتد للأراضي الفلسطينية يمثل انتهاكًا للقانون الدولي، فإنه يتوقع ألا تلتزم إسرائيل به، ولذا يدعو كافة الدول إلى الالتزام بالشرعية التي تمثلها محكمة العدل الدولية، وهي أعلى جهة قضائية تابعة للأمم المتحدة، حيث إنه يرى أن ذلك -إن حصل- سيمثل أكبر ردع لإسرائيل.
أكد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي، أن المرافعة المصرية التي قدمت أمس أمام محكمة العدل الدولية تمثل وثيقة قانونية متكاملة تؤسس لمبادئ جديدة في القانون الدولي الإنساني، وتضع إطارًا قانونيًا واضحًا لمسؤوليات الدول المحتلة تجاه المنظمات الدولية والوكالات الأممية.
وقال الدكتور مهران في حديث لـ"دار الهلال"، إن المرافعة المصرية نجحت في تفكيك الأسانيد القانونية التي تستند إليها إسرائيل في تبرير انتهاكاتها المنهجية لحقوق الفلسطينيين والمنظمات الدولية العاملة في الأراضي المحتلة، وخاصة وكالة الأونروا.
وأضاف أن الوفد المصري قدم صياغة قانونية متقنة استندت إلى نصوص صريحة في القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، التي تلزم سلطات الاحتلال بضمان رفاهية السكان المدنيين وتسهيل عمل المنظمات الإنسانية، وتحظر استخدام التجويع والحصار كأسلوب من أساليب الحرب ضد المدنيين.
وأوضح أستاذ القانون الدولي، أن أحد أهم ما تميزت به المرافعة المصرية، هو قدرتها على إثبات منهجية الانتهاكات الإسرائيلية، وأنها ليست حوادث متفرقة أو أخطاء فردية، بل سياسة ممنهجة تهدف إلى تقويض وجود الشعب الفلسطيني وطمس هويته.
وأشار إلى أن المرافعة قدمت أدلة دامغة على أن سياسات إسرائيل في غزة تتجاوز مجرد الانتهاكات إلى مستوى الجرائم الدولية، خاصة استخدام التجويع كسلاح وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، وهو ما يشكل جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وفيما يتعلق باستهداف إسرائيل لوكالة الأونروا، أكد مهران، أن المرافعة المصرية كشفت الأبعاد السياسية والقانونية وراء محاولات إسرائيل تقويض عمل الوكالة، التي تعد شاهدًا دوليًا على قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وشدد على أن قرار إسرائيل حظر أنشطة الأونروا ينتهك ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام 1946، واتفاقية امتيازات وحصانات الوكالات المتخصصة لعام 1947، والتي تلزم الدول الأعضاء بضمان حصانة مقار الأمم المتحدة ووكالاتها وموظفيها.
وتابع:"كما ينتهك القرار الإسرائيلي التزامات محددة تفرضها اتفاقية عام 1967 بين إسرائيل والأونروا، والتي تضمن للوكالة حرية الحركة والوصول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة لتنفيذ ولايتها".
وأشار إلى أن المرافعة المصرية أوضحت بجلاء أن الاتهامات الإسرائيلية بتورط بعض موظفي الأونروا في أعمال عنف ليست مبررًا قانونيًا لحظر نشاط الوكالة بأكملها، خاصة وأن هذه الاتهامات لم تثبت.
وحول أهمية الجهد الدبلوماسي المصري، قال مهران: "تأتي المرافعة المصرية في سياق تحرك دبلوماسي مصري متكامل على الساحة الدولية للدفاع عن الحقوق الفلسطينية وفضح الانتهاكات الإسرائيلية".
وأوضح أن هذا الجهد الدبلوماسي يكتسب أهمية استثنائية نظراً لمكانة مصر التاريخية في القضية الفلسطينية، وخبرتها القانونية والدبلوماسية المتراكمة، وقدرتها على التأثير في الرأي العام الدولي.
وأردف:"نجحت الدبلوماسية المصرية في حشد تأييد دولي غير مسبوق للقضية الفلسطينية، تجلى في تصويت 137 دولة لصالح إحالة قضية حظر أنشطة الأونروا إلى محكمة العدل الدولية".
وـكد مهران، أن المرافعة المصرية تشكل إضافة نوعية إلى الجهود القانونية الدولية الساعية لمساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها، وتأتي متسقة مع الرأي الاستشاري الصادر عن المحكمة في يوليو 2024، والذي أكد عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وبشأن التأثير المتوقع للمرافعة المصرية على الرأي الاستشاري المرتقب، قال مهران:"أتوقع أن تؤثر المرافعة المصرية بشكل كبير في صياغة الرأي الاستشاري المرتقب، خاصة وأنها قدمت تحليلًا قانونيًا عميقًا ومدعمًا بالأدلة الواقعية والنصوص القانونية".
وختم تصريحاته بالتأكيد أن الرأي الاستشاري المرتقب، رغم أنه غير ملزم من الناحية الفنية، سيشكل سلاحًا قانونيًا قويًا في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، وسيعزز الموقف القانوني الفلسطيني في المحافل الدولية، وسيضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في ضمان احترام القانون الدولي وحماية المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
مرافعة مصر أمام العدل الدولية
وفي المرافعة، أكدت مصر، على أن الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية المحتلة، تمثل جزءًا من إجراءات واسعة النطاق وممنهجة وشاملة تهدف إلى فرض سياسة الأمر الواقع وتحقيق ضم فعلي للأراضي الفلسطينية.
وشددت على أن هذه السياسة مُثبتة بالتصريحات العلنية الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين، وكذلك تشريعات الكنيست، فضلًا عن الاجراءات الإسرائيلية المستمرة لتقويض دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وتجفيف مصادر تمويلها، بهدف عرقلة حق العودة للشعب الفلسطيني، والذي يشكل ركنًا أساسيًا من حقهم في تقرير المصير المكفول بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
ويتزامن ذلك مع مواصلة إسرائيل تنفيذ عمليات الإخلاء القسري والتهجير المتكرر تحت ذريعة ما يسمى بـ"أوامر الإخلاء"، مما أدى إلى نقل الفلسطينيين قسرًا إلى مناطق لا تتمتع بالمقومات الأساسية للمعيشة، وعرقلة وصول الإمدادات والخدمات الأساسية اللازمة للحياة، وذلك ضمن سياسة ممنهجة لخلق ظروف تهدف إلى جعل غزة غير صالحة للحياة، كما قالت مصر في مرافعتها.
ودأبت إسرائيل منذ أكتوبر 2023 على استخدام سياسة التجويع والحصار الكامل على غزة كسلاح موجه ضد المدنيين بالقطاع، وأمعنت إسرائيل في استخدام ذلك السلاح بإغلاقها كافة المعابر إلى غزة بشكل متعمد وتعسفي، مما حال دون دخول الغذاء والمياه الصالحة للشرب والوقود والإمدادات الطبية وغيرها من الاحتياجات الأساسية، هكذا أضافت.
وأوضحت أن ذلك يأتي في ظل استئناف إسرائيل لعدوانها "الوحشي" على غزة، والذي أسفر عن مقتل 52,000 مدني بريء منذ أكتوبر 2023، غالبيتهم من النساء والأطفال، وذلك مع استمرار استهداف إسرائيل للمدنيين والبنية التحتية الضرورية لبقاء السكان الفلسطينيين على قيد الحياة، يُضاف إلى ذلك تكثيف قوات الاحتلال الإسرائيلية لهجماتها ضد العاملين في المجالين الطبي والإنساني، الأمر الذي دفع بغزة إلى كارثة إنسانية.
وفي هذا الإطار، استعرضت مصر الدفوع القانونية التي تثبت وجود التزامات على عاتق إسرائيل بموجب ميثاق منظمة الأمم المتحدة، التي هي عضو فيها، وكذلك الاتفاقية الخاصة بامتيازات وحصانات أجهزة الأمم المتحدة، فضلاً عن التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال بضمان وتسهيل توفير الإمدادات والمساعدات العاجلة دون عوائق، وفقاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وأكدت أن إسرائيل أخلت بالفعل بالتزاماتها بموجب القانون الدولي سواء بالسياسة الممنهجة لاستهداف المدنيين وممثلي المنظمات الإغاثية، أو بالإمعان في فرض عقبات قانونية وإدارية تعيق وتقيد وصول المساعدات الإنسانية، وتوجيه هجمات مباشرة على البنية التحتية الإنسانية، بما في ذلك قصف معبر رفح الحدودي بهدف تعطيله عن العمل والاستيلاء على الجانب الفلسطيني من المعبر، وما تبعه تنفيذ إسرائيل هجومها العسكري على مدينة رفح الفلسطينية، التي كانت ملاذًا لأكثر من مليون فلسطيني، ومركزًا رئيسيًا لتقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة، ما ألحق أضرارًا جسيمة بالعمليات الإنسانية وزاد من تفاقم الوضع الإنساني الكارثي، ومع اضطرار الوكالات الإنسانية إلى الانسحاب حفاظًا على سلامة موظفيها، توقف وصول المساعدات الإنسانية من معبر رفح، والذي كان شريان الحياة لقطاع غزة.
وطالبت مصر، المحكمة بالإعلان في رأيها الاستشاري أن الاحتلال الإسرائيلي الممتد للأراضي الفلسطينية يمثل انتهاكاً مستمراً للقانون الدولي، وأن الالتزامات الإسرائيلية كقوة قائمة بالاحتلال تستمر في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين انتهاء الاحتلال، كذلك إقرار المحكمة بالتزام إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال بجبر الضرر الذي أحدثته وذلك من خلال رفع الحصار المفروض على غزة بشكل فوري وغير مشروط، وضمان وصول الإمدادات الأساسية للمدنيين بقطاع غزة على نطاق واسع وبشكل آمن عبر كافة المعابر المؤدية للقطاع، دون معوقات أو قيود.
وزادت مصر مطالبة، بالتنفيذ الفوري لقرار مجلس الأمن رقم 2735، والتوافق حول خطة إغاثة عاجلة للمدنيين الفلسطينيين، وتيسير تنفيذها بكافة السُبل المتاحة، والامتناع عن إعاقة وجود ونشاطات الأمم المتحدة ووكالاتها، بما في ذلك الأونروا، وكذلك الدول الثالثة التي تقدم المساعدات الإنسانية، وإلغاء القوانين غير المشروعة المتعلقة بالأونروا التي أقرتها إسرائيل، واحترام الامتيازات والحصانات الممنوحة لهاوغيرها من وكالات الأمم المتحدة، وضمان حمايتها.
كما دعتها إلى إعلان أن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير يشمل حقه في السعي لتحقيق تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أرضه، بما في ذلك الحق في تلقي مساعدات التنمية من أجل التعافي المبكر وإعادة الإعمار، وعدم تهجيره أو طرده.