في زمن أصبحت فيه التكنولوجيا رفيقا دائما في كل يد، ظهرت موجة جديدة من المخاطر التي تهدد شريحة واسعة من المجتمع، وبالأخص فئة الشباب "القمار المحمول" أو "المقامرة الإلكترونية"، التي انتشرت كالنار في الهشيم، لا تفرق بين غني وفقير، ولا بين متعلم وأمي، الكل قد يقع في الفخ، والكل قد يغريه بريق المال السهل.
هذه الظاهرة لا ترتبط فقط بالرغبة في التسلية أو الفضول، بل هي مبنية بالكامل على الطمع، الذي يمثل الوقود الحقيقي لهذه التطبيقات والمواقع، تبدأ الحكاية ببساطة عبر إعلانات تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي أو ألعاب الهاتف المحمول، تعد المستخدم بتحقيق أرباح خيالية من خلال خطوات بسيطة وسريعة، لا تتطلب سوى دقائق من المشاهدة أو مهام شكلية، ولكن الحقيقة المرة أن كل ذلك ما هو إلا فخ محكم.
في البداية، يتم منح المستخدم مكافآت بسيطة، ترسل إلى محفظته الإلكترونية لتشجيعه على الاستمرار، ثم تبدأ مرحلة المهام المدفوعة، ويطلب منك إيداع مبالغ صغيرة، يقال إنها ستضاعف خلال ساعات، وبالفعل، يتم إغراؤه بتحقيق أرباح أولية لجعله يثق أكثر في النظام، ثم تأتي الضربة الكبرى حين يطلب منك إيداع مبلغ كبير، وهنا تبدأ عملية النصب الكاملة، يتم حظر الحساب، وتختفي الأموال ولا من مُجيب.
لم تقتصر هذه التطبيقات على الربح السريع فقط، بل تطورت لتشمل مراهنات على مباريات كرة القدم، وسباقات الخيول، وألعاب الكازينو والحظ، كلها مغلفة في واجهة براقة، وتطبيقات سهلة التحميل على أي هاتف، تتعدد الأسماء، لكن الهدف واحد سحب الأموال وتدمير العقول.
تنتقل العدوى من مجرد لعبة لحالة من الإدمان، يظن الشاب أنه قادر على تعويض خسارته، فيلجأ للاقتراض أو بيع ممتلكاته أو حتى السرقة، وتتحول الرغبة في الربح إلى هوس لا يمكن الفكاك منه، ومع الأسف المكاسب تكون في البداية فقط، أما النهاية فهي دائما خسارة فادحة، أولها وأهمها وأخطرها الحرمانية ومن بعدها خسائر مادية ونفسية قد تصل للانتحار.
رأينا هذا الواقع المؤلم يجسد في بعض الأعمال الدرامية التي ناقشت الظاهرة من زوايا إنسانية، ففي مسلسل "حدث بالفعل" ظهرت الفنانة إسعاد يونس في حلقة مؤثرة، حين يحاول حفيدها سرقتها من أجل إدمانه تطبيق قمار، وينتهي الأمر بجريمة قتل مأساوية، وكذلك مسلسل رمضان "منتهي الصلاحية" طرحت القضية بشكل مباشر وجريء.
لقد أصبحت التكنولوجيا سلاحا ذو حدين، وإن لم نحسن استخدامها، فقد تنقلب علينا، والحل يبدأ من البيت، من التربية الواعية، ومن توعية الأبناء بمخاطر هذه التطبيقات، كما أن الدور الأكبر يقع على الجهات المعنية لضبط هذه المواقع ومنع انتشارها، وفرض رقابة صارمة على المحتوى الرقمي.
القمار ليس تسلية، بل طريق للدمار والمقامرة الإلكترونية خطر حقيقي علينا مواجهته قبل أن يتحول إلى وباء يصعب احتواؤه.