في زمن كانت فيه الكلمة جسرًا بين القلوب، والمأساة تتوشّح برداء البطولة، خرج صوت شاعر العامية الكبير عبد الرحمن الأبنودي لينقش على جدار الوعي المصري ملحمة من لحم ودم... إنها ملحمة «الأسطى حراجي القط»، العمل الشعري الذي أعاد الاعتبار للعامل المصري، لا كيدٍ في الظل، بل كنبضٍ في قلب الوطن.
في رسائل «حراجي» إلى زوجته «فاطنة»، لا نقرأ فقط حكاية رجل بسيط يعمل في بناء السد العالي، بل نسمع نبض الأرض، ووجع الاغتراب، وفخر الإنجاز، وخوف الأب على بيته وأحبابه... نسمع صوت «عامل مصر» حين يُحب ويكدح ويحلم ويقاوم.
الأبنودي لم يكتب شعرًا عاديًا، بل رسم ملحمة وطنية شعبية، جسّدت صعود العامل من الهامش إلى مركز الحكاية، عامل يبني لا فقط السد، بل يبني المعنى، والكرامة، والتاريخ.
في «الأسطى حراجي القط»، العامل ليس مجرد ترس في ماكينة ضخمة، بل هو البطل الذي بصبره يُشيّد المجد، وبلسانه البسيط يروي قصة أمة أرادت أن تقف على قدميها.. وكان العامل أول من حمل الطوب على كتفيه.
ملحمة بناء السد العالي
السد العالي.. هو أول مشروع يُقام لتخزين المياه على مستوى دول حوض النيل، بلغ عدد العاملين به 34 ألفا، واستغرق بناؤه 10 أعوام «1960م-1970م»،في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بتكلفة بلغت نحو مليار دولار، و يلي قناة السويس من حيث الأهمية، وصنفته الهيئة الدولية للسدود والشركات الكبرى في صدارة المشروعات في القرن العشرين.
ولم تقتصر فوائد بنائه على القطاع الزراعي والحيواني فقط، بل كان له تأثير مباشر على اقتصاد مصر بشكل كامل، وانعكس تأثيره على قوة مصر السياسية والإقليمية ومكانتها في المنطقة.
الموقع والمساحة
وبني السد العالي على نهر النيل، في محافظة أسوان جنوبي مصر على الحدود الشمالية بين مصر والسودان، يبلغ طوله عند قمته 3830 مترًا، وعند القاعدة 520 مترا بين ضفتي النيل، أما ارتفاعه فيبلغ 111 مترا فوق منسوب قاع النهر، وعرضه عند القمة 40 مترًا، ويتخذ السد شكل جناحين على جانبي النهر.
من رسائل «الأسطى حراجي القط» .. لعبد الرحمن الأبنودي
الرسالة الأولي
على غلاف الرسالة يوجد هذا العنوان :
الجوهرة المصونة
والدرة المكنونة
زوجتنا فاطنه أحمد عبد الغفار
يوصل ويسلم ليها
في منزلنا الكاين في جبلاية الفار
الرسالة:
أما بعد ..
لذا كنت هاودت كسوفي ع التأخير
والله ما كنت حاخط بيدي حرف.
سامحيني يا فطنه في طول الغيبه عليكم
وأنا خجلان.. خجلان..
وأقولك يا زوجتنا
أنا خجلان منكم..
من هنا للصبح..
شهرين دلوقت..
من يوم ما عنيكي يا فاطنه .
بلت شباك القطر..
لسوعتي بدمعك ضهر يديَ
لحظتها قلت لك:
« قبل ما عوصل عتلاقي جوابي جي..»
نهنهتي .. وقلتي لي بعتاب:
« عارفاك كداب ..
نساي
وعتنسى أول ما عتنزل في أسوان»
ما عرفت ساعتها يا مرتي أضحك ولا أبكي.
ما عرفت ساعتها اذا كنت باعوز القطر يقف ولا يولي.
حسيت بعنيكي الحيرانة يا فاطنة بتقولي
وتسكت
وتقولي.
حسيت واليد بتخطفها يد الجدعان
بالقلب ف جوفي ما عارف ان كان بردان.. دفيان
والبت عزيزة والواد عيد
قناديل في الجوف..
زي ما بتضوي.. بتقيد..
والقطر اتحرك..
وقليبي بيتنقل من يد لإيد .
والقطر بيصرخ ويدَودِو
اتدلدلت بوسطي من الشباك..
«خذي بالك م الولد..
راعي عزيزه وعيد»
والقطر صرخ ورمح لكإنه داس على بصّة نار..
ولقطت الحس قريب .. قد ما كنتي بعيد:
«قلبي معاك يا حراجي هناك في أسوان»
ورميت نفسي وسط الجدعان
وبكيت..
وبلدنا اللي كنا بنمشيها ف نص نهار
كان القطر في لحضه .. فاتها بمشوار .
سامحيني يا فطنه على التأخير ..
ولو الورقه يا بت الخال تكفي
لأعبي لك بحر النيل والله بكفيِ
كلام
وختاماً ليس ختام ..
بابعت لك ِ
ليكي ولناس الجبلايه
ولبتي عزيزه والواد عيد
ألف سلام
ملحوظة:
اكتبي ع لمظروف
أسوان
زوجي الغالي
لوسطى حراجي القط
العامل في السد العالي
زوجك
الأسطى حراجي»