في مثل هذا اليوم ولد المخرج الكبير حسام الدين مصطفى، ورحل عن دنيانا في 22 فبراير عام 2000، بعدما ترك وراءه إرثًا فنيًا زاخرًا تجاوز حدود المألوف، ليصبح رمزًا من رموز الإبداع البصري والدرامي في القرن العشرين.
بدأ حسام الدين مصطفى رحلته الفنية بإصرار وشغف حقيقيين، لم يقبل بالحدود الضيقة ولا بالقوالب الجاهزة سعى منذ البدايات إلى التميز، فقرر أن يصقل موهبته دراسةً وممارسة، فسافر إلى هوليوود، مهد السينما العالمية، حيث نهل من مناهج الإخراج الحديثة وأسلوب التصوير المتطور هذه التجربة الغربية أثّرت كثيرًا في أسلوبه الفني، حيث عاد إلى مصر عام 1956 محمّلًا برؤية جديدة ساعدته في خلق سينما ذات طابع مختلف، تمزج بين روح الشرق وإيقاع الغرب.
عُرف حسام الدين مصطفى بكونه رائدًا لأفلام الحركة والإثارة في مصر، إذ نجح في تقديم نوعية سينمائية لم تكن سائدة من قبل، فاستحدث مشاهد الأكشن، وقدم المطاردات، واستثمر الكاميرا كأداة ديناميكية في يد مخرج يدرك جيدًا إيقاع الزمن السينمائي.
قدم مصطفى خلال مسيرته الفنية ما يزيد عن 105 عملاً فنيًا تنوعت بين السينما والدراما التلفزيونية، وضمّت أسماء من العيار الثقيل من أشهر أفلامه السينمائية:
"الرصاصة لا تزال في جيبي"، والذي يُعد أحد أبرز أفلام حرب أكتوبر وأكثرها تأثيرًا في وجدان المصريين،"السمان والخريف" عن رواية نجيب محفوظ،"وكالة البلح"،"درب الهوى"،"غرام الأفاعي"،"شنبو في المصيدة"و"الحرافيش"*، حيث قدّم من خلال هذه الأعمال مزيجًا من التشويق، الواقعية، والبعد الإنساني العميق.
إلى جانب الإخراج، برع حسام الدين مصطفى في كتابة السيناريو والحوار، وهو جانب قلما يتميز فيه المخرجون، لكنه أبدع في صياغة الحوارات الإنسانية والبُنى الدرامية المتماسكة، كما نرى في أفلام مثل:
"الإخوة الأعداء" (1974)، الذي يناقش الصراع الطبقي والأخلاقي داخل الأسرة و"نساء ضائعات" (1975) ، الذي تطرق لقضايا المرأة والمجتمع بأسلوب غير مباشر، لكن مؤثر.
أما على مستوى الدراما التلفزيونية، فقد كان له باع طويل، خاصة في الأعمال الدينية والتاريخية التي تحتاج إلى دقة بالغة في السرد والرؤية البصرية من أبرز هذه الأعمال:"صقر قريش"،"الفرسان"،"أبو حنيفة النعمان"،و"عصر الأئمة"، التي لم تكن مجرد مسلسلات بل دروس بصرية في التاريخ العربي والإسلامي.
لم يكن حسام الدين مصطفى مجرد مخرج ينفّذ نصًا مكتوبًا، بل كان مفكرًا بصريًا، يضع رؤيته الخاصة في كل مشهد، ويؤمن بأن السينما ليست فقط وسيلة للترفيه، بل أداة تثقيف وتنويرلقد أنشأ جسورًا بين الماضي والحاضر، ولامس قضايا المجتمع دون شعارات، وإنما من خلال صورة ناطقة ودراما صادقة.
في 22 فبراير من عام 2000، أسدل الستار على حياة حسام الدين مصطفى، لكن أعماله ما زالت تعرض على الشاشات، حاضرة في ذاكرة الأجيال، شاهدة على عصر كان فيه الإخراج فنًا راقيًا يحترم عقل المشاهد وروحه.