الأربعاء 28 مايو 2025

مقالات

تجديد الخطاب الدرامي.. كيف؟

  • 6-5-2025 | 15:55
طباعة

يلاحظ المشاهد التليفزيوني والمتابع للبث النشط من المنصات الجديدة التي راجت خلال السنوات القليلة الماضية، بعضا من الشواهد اللافتة في مجمل اﻹنتاج الدرامي، منها: البعد عن توظيف النصوص السردية المعتبرة، تلك المنشورة ونالت من الاهتمام النقدي والقراءة ما يشي بأهميتها. في ذلك يعتمد الإنتاج الدرامي على السيناريوهات الحرفية، التى يقوم عليها الكثير من ذوي الحرفية، أكثر من كونهم من ذوي الموهبة السردية.. ولا شك منها ما هو جيد من حيث جدية التناول والتجديد، ومعالجة بعض الأفكار الجديدة، بصرف النظر عن مجمل القيم الواجب مراعاتها، والاعتماد على ما هو المثير والغريب أحيانا.

رواج توظيف ما يعرف بالورش الفنية الخاصة بكتابة السيناريو، حيث أنصاف المواهب يتصدرون المشهد، يوفرون الأوراق الجاهزة والسهلة للانتاج الدرامي، والتنافس فيما بينهم على ﺇغراق السوق الدرامي بنمط ما نجح جماهيريا، مثلما تلاحظ مع شيوع الدراما القائمة على العفاريت والجن، وفي أحيان أخرى دراما البطل الواحد القادر على تحقيق المعجزات.   

 ولا يمكن ﺇغفال الحرفية بتوظيف أجهزة وتقنيات لم تكن معروفة من قبل، وهو أمر محمود ومع لك ساعد البعض على تحقيق الغرابية واللافت في ذاته، دون النظر إلى الضرورة الفنية.. 
كا يمكن رصد رواج فكرة الخلاص الفردي البطل الأوحد، واختفاء الجماعية والخلاص الجمعي، الواجب تزكيتها لآهمية توظيف فيم التشارك والانتماء للمشاهد.

.. ولا يمكن ﺇغفال ظاهرة الإفراط في زمن الحلقات، وزيادة عددها الكلى مع ﺇطالة أحداث الحلقة الواحدة في غير ضرورة.

كما طالع المشاهد كما غير قليل خلال السنوات الماضية، الكثير من الأعمال الدرامية الذهنية التركية والكورية والهندية، حتى شوهت الذاكرة المصرية والعربية عن قصد أو عمدية أو غير ذلك.. فقد تم توريد صورة البطل المختلف، والقيم القابلة للنقد أو الانتقاد، فضلا عن توريد هموم ومشاكل ليست من جوهر همومنا المصرية والعربية.. لا يعنى ذلك الانغلاق، بل يجب الاقتراب من تناولها بوعى وقصدية وتدخل الرقابة، نعم الرقابة وليست عيبا هنا، بل هي حائط مهم لحماية الأجيال الجديدة، حيث القيم المتعارف عليها والمتوافقة مع المجتمع.

 منذ قرن مضى، توجهنا إلى الغرب فكريا وحضاريا، فكان التنويري والسلفيون.. مدرستين للتعبير عن موقف المثقف/ الفنان نحو هذا التوجه الجديد. ذاك الذي انقسم فيه جماعة المثقفين ما بين قبول كامل لمعطيات الغرب، وآخر رفض كامل لتلك المعطيات، وربما ثالث –قلة قليلة- أخذت بالوسطية. أي أخذ العلم والمعطيات الحضارية الجديدة من الغرب، مع التمسك بمعطيات التراث العربي الفكرية.

بالنظر ﺇلى قضية الدراما الآن، تبدو القضية متجددة: ألا وهى قضية "الهوية" و"أنا والآخر".. في مقابل المعطيات الحضارية الجديدة، من هيمنة التكنولوجيا الرقمية وثورة الاتصالات والإعلام، فضلا عن ثورات العلوم "الجينية والفيزيائية، وغيرها".. ذلك داخل بوتقة القيم الشرقية ولنقل المصرية التى لا تعرف الانفلات ولا الشطت. 

الاقتراب من مفهوم "الهوية" وعلاقة "الأنا والآخر" هنا، لا يعنى الابتعاد عن جوهر قضية ﺇعادة النظر فيما يتم ﺇنتاجه من الدراما ويعرض على عموم الناس. 

"بداية لابد أن أعترف أنني لست من دعاة "الانغلاق"، والانطواء على الذات، أو ﺇجترار الماضي.. بينما هناك من يتطلع ﺇلى ثقافتنا ومنجزنا الفكرى، ها هو ذو المفكر الفرنسي "روجيه جارودى" الذي أشهر إسلامه، فيما عرض لسؤال "جاك بيرك" عن سبب ترجمته للقرآن، أفاد بأن إحدى دور النشر طلبت منه ذلك، فترجمه في أقل من عام! إلا أن جارودى يجد العزاء في إيمانه بأن العمل في سبيل الله هو الأبقى.

أما "الأدب العربي الفرانكفوني" أو إل"نحن" في لغة "الآخر"، فهو الوجه الآخر من العملة، وهو ما تجلى في كتابات "القصيرى" الذى قال: رأسي مليء بالأفكار، وكتابة الرواية هي المحاولة الأكثر متعة كي أصنع أشخاصا قادرين على التعبير عن هذه الأفكار".

كذلك تجربة القاص المغربي "أحمد المدينى". وقد أفاد "المديني" بأن الأدب هو ابن لغته، وبالتالي فكل ما أبدعه الكتاب العرب الفرانكفونيون من أدب أو فكر، هو إضافة للأدب الفرنسي، وليس للأدب العربي".. وبالتالي تصبح اللغة والهوية جسدا واحدا. وﺇن كانت هناك أراء أخرى كما عند "د.أسامة نبيل" الذي يرى أن الأدب الفرانكفوني ليس أدبا عربيا، إلا أنه أيضا عربيا مقرؤا بالفرنسية!
لم نبتعد عن جوهر القضية، هكذا يمكن تناول الدراما الخالصة والمترجمة بزاوية الرؤية نفسها.

نخلص ﺇلى أهمية الانفتاح على كل جديد في مجال التكنولوجيا الفنية التى تلامس معطيات مشهدية جديدة لم يلمسها المشاهد من قبل، وربما من ميزاتها التوفير المالى والجهد والزمن أيضا. 

لتبقى القضية: وماذا بعد؟

.. من المناسب عقد المؤتمرات المتخصصة، بحضور ومشاركة المتخصصين، فالقضية جد هامة وخطيرة، ولا يكفى جهد فردى أو حتى جزئى هنا أو هناك.

.. وضع ميثاق افتراضى، ليس من باب القيد أو الحذر ولا من باب الوصاية، بل هو بداية بأقلام الخاصة المهمومة بالقضية ومن ثم يتم مناقشتها اجتماعيا كأي نزعة تهم عموم الناس.

.. إعادة النظر في مجمل ما يتم استيراده وعرضه على الشاشات المختلفة.. على أن تشكل لجان من عموم المشاهدين وليس من الخاصة فقط.

.. العمل على تشجيع اﻹبداع الجديد المتميز والحقيقى.

.. ﺇنشاء المؤسسات أو حتى الادارات الإحصائية والتحليلية التى تضم متخصصين في فنون الدراما، ووضع الآراء والأفكار المنبثقة عنها موضع التنقيذ والاهتمام.

وبعد.. ما زال السؤال بلا ﺇجابة؟

 تبقى عناصر لم نقترب منها بعد، مثل استخدام اللهجات وتوظيفها داخل الدراما،  مع رواج الكلمات العامية غير المهذبة في الحوار، ﺇلى حد توظيف الألفاظ النابية غير الملائمة.. وكما الإصرار على عرض الأفكار النمطية بلا تجديد فني، مثل موضوع الثأر في صعيد مصر وغيره.. مع ذلك تبقى القضية حية ومتجددة ، ويجب ألا نكف البحث فيها.

الاكثر قراءة