كشفت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، في عددها الصادر اليوم الخميس، أن العديد من عواصم الاتحاد الأوروبي حثت المفوضية الأوروبية على التريث في اتخاذ أي خطوات انتقامية تجاه الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك لتجنب أي تصعيد محتمل خلال قمة الناتو المقررة في يونيو المقبل.
وأفاد دبلوماسيون ومسئولون تحدثوا إلى الصحيفة، بشرط عدم الكشف عن هويتهم، أن حكومات أوروبية تطالب بتجميد مؤقت للقرارات المرتبطة بالولايات المتحدة، بما في ذلك الاستثمارات الدفاعية الكبرى، إلى حين اتضاح نتائج قمة الناتو التي ستُعقد في لاهاي الشهر المقبل.
في الوقت ذاته، يُطلب من مسئولي الناتو تقليص جدول أعمال القمة إلى الحد الأدنى لتفادي أي مواجهات محتملة مع ترامب، وسط حالة وصفتها الصحيفة، في تقرير لها، بالغامضة خاصة فيما يخص مواقفه المتوقعة خلال القمة.
وطالب ترامب الحلفاء الأوروبيين بالالتزام بإنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع وتبني خطة "لموازنة" مسئولية الدفاع عن القارة، التي اعتمدت على أمريكا لعقود، فيما حثت العواصم أيضًا، إلى جانب ضرورة عقد محادثات مكثفة بين القادة الأوروبيين الرئيسيين والأمين العام لحلف الناتو مارك روته حول كيفية تهدئة ترامب خلال قمة 24-25 يونيو المقبل، المفوضية الأوروبية على تجنب إثارة غضب البيت الأبيض خلال الفترة التي تسبق القمة.
وقال مسئولون للصحيفة إن هذه التوصيات تشمل تجنب المناقشات العامة المثيرة للجدل حول الإجراءات الانتقامية التجارية ردًا على رسوم ترامب الجمركية وتأجيل قرارات المشتريات الدفاعية التي تنطوي على خيار مباشر بين الخيارات الأوروبية والأمريكية وتجنب انتقاد نهج الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا وخطابها بشأن ضم جرينلاند.
وكان ترامب فرض رسومًا جمركية بنسبة 25% على الصلب والألمنيوم والسيارات الأوروبية، بالإضافة إلى رسوم جمركية شاملة بنسبة 10% على واردات الاتحاد الأوروبي. وقد أوقف، حتى أوائل يوليو، مضاعفة هذه الرسوم الجمركية الثابتة إلى 20%، ريثما تنتهي المفاوضات الخاصة بهذا الملف مع الاتحاد الأوروبي.. وصرح مسئولون بأنه في حال انهيار المفاوضات بشأن اتفاق "متوازن"، فعلى الاتحاد الأوروبي الرد بإجراءات تجارية خاصة به.
وقال مسئول كبير في الاتحاد الأوروبي شارك في المناقشات:" هناك قلق كبير يحيط بقمة لاهاي والتفكير السائد حاليًا يدور حول ضرورة بذل كل ما في وسعنا لإيصال ترامب إلى هناك وإخباره بما يريد سماعه وإخراجه مجددًا دون أي كارثة".
وأضاف مسؤول كبير في الناتو: "نحن بحاجة إلى وضع خطة موثوقة لانتقال منظم من الولايات المتحدة إلى أوروبا في المسئولية".. مؤكدًا أن "هذه هي الأولوية الرئيسية الوحيدة بالنسبة لنا فوق كل شيء آخر".
وأشارت "فاينانشيال تايمز" - في تقريرها - إلى أنه في حين أن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو كيانان منفصلان، إلا أن هناك 23 دولة أعضاء في المنظمتين اللتين تتخذان من (بروكسل) مقرًا لهما كما يتمتع روته بعلاقة عمل وثيقة مع رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين.
وأبلغ مسؤولون أمريكيون حلفاءهم في الناتو أنه بينما يخطط ترامب لحضور القمة، فإنه قد يقرر إلغاءها إذا لم يكن هناك اتفاق مسبق بين أعضاء الناتو الـ 31 الآخرين لإنفاق المزيد وتحمّل المزيد من المسئولية للدفاع عن أوروبا.
ويُعِدّ حلف الناتو دراسةً مُفصّلةً لقدرات أعضائه الحالية، وذلك لإثراء المناقشات المُعقّدة حول اعتماد أوروبا الحالي على الولايات المتحدة وكيفية الحدّ من ذلك وبأي سرعة وفي أي المجالات يُمكن للولايات المتحدة تقليص وجودها دون تعريض أمن القارة للخطر.
ويُقدّر مسئولون أوروبيون سرًّا- حسبما أبرزت الصحيفة البريطانية- أنه مع اقتراب متوسط الإنفاق الدفاعي من 4% ووجود خطة مُتّفق عليها مع الولايات المتحدة لتقليص عدد القوات في بعض المناطق الحرجة مع توسّع الجيوش الأوروبية، فإنّ جدولاً زمنيًا يتراوح بين خمس وعشر سنوات مُمكن. وكان من المُتوقع في البداية أن تكون قمة لاهاي حدثًا رفيع المستوى بالنسبة لروته، نظرًا لكونها الأولى له كأمين عام كما أنها تُعقد في مسقط رأسه.. لكنّها خُفّضت بالفعل إلى يومين في حين يتعرض روته لضغوط من عواصم الحلفاء لتقليص عدد المناقشات بين القادة إلى الحدّ الأدنى لتقليل خطر أيّ مواجهة مع ترامب.
وأضافت "فاينانشيال تايمز" أن العديد من القادة الأوروبيين يخشون تكرار ما حدث في قمة الناتو لعام 2018، عندما سيطر ترامب على اليوم الثاني من المحادثات خلال ولايته الرئاسية الأولى وهدد بالانسحاب من الحلف، ما أثار صراعًا محمومًا لإرضائه بوعود بشأن زيادة الإنفاق الدفاعي، والتي شملت روته بصفته رئيس الوزراء الهولندي وقتها.. وقال دبلوماسي أوروبي مشارك في التحضيرات:" المال، المال، المال. لا يريد ترامب الحديث عن أي شيء آخر كما أنه يمكن تأجيل باقي المواضيع".. ولذلك، اختتمت الصحيفة تقريرها بأن إن هذا الأمر قد يؤدي إلى إعادة النظر بشكل جذري في مجالات السياسة الرئيسية التي كانت تسيطر على جدول أعمال القمم السنوية السابقة - بما في ذلك سعي أوكرانيا للانضمام والعلاقات مع الدول الآسيوية الشريكة والقضايا المتعلقة بتغير المناخ.