الإثنين 12 مايو 2025

تحقيقات

د. نبيل رشوان يكتب: هل تحتفل روسيا قريبا بالنصر في النزاع الأوكراني؟

  • 8-5-2025 | 15:12

بوتين

طباعة

تحتفل روسيا بالذكرى 80 للنصر على الفاشية هذا العام فى ظروف خاصة، بداية يجب أن أذكر هنا أن الرئيس بوتين أعلن عن هدنة لمدة ثلاثة أيام 8 ـ 10 مايو حتى لا يحدث ما يعكر صفو الاحتفالات، حيث يتخللها يوم 9 مايو الذى تحتفل فيه روسيا بعيد النصر الحرب العالمية الثانية أو كما يسميها الروس الحرب الوطنية العظمى، على خلاف الدول الأوروبية والولايات المتحدة الذين يحتفلون بهذا اليوم فى 8 مايو، أما الظروف غير التقليدية فى احتفالات هذا العام فهى متمثلة فى أن الرئيس الأوكرانى زيلينسكى رفض الهدنة لثلاثة أيام، وأصر على أن تكون الهدنة 30 يوما، على أى حال الرفض كان متبادلاً من الجانبين الروسى والأوكرانى هذا رفض 3 أيام هدنة والآخر الروسى رفض 30 يوم هدنة.

الغريب فى الأمر أن أوكرانيا كثفت من هجماتها بالطائرات المسيرة قبيل الاحتفال،على موسكو وضواحيها، الأمر الذى أدى إلى إغلاق العديد من المطارات حيث من المنتظر أن يصل ضيوف روسيا الذين سيشاركونها الاحتفال بعيد النصر، كما سيحضر الاحتفال رؤساء من دول الاتحاد السوفيتى السابق.

ويحاول الغرب عن طريق الرئيس الأوكرانى عزل روسيا لكن كما نرى العديد من قادة الدول يرفضون ذلك من منظور أن الانتصار على الفاشية قيمة أخلاقية تحملت روسيا أكثر من أى دولة أخرى أعباءها سواء البشرية أو المادية أو الدمار الذى لحق بها.

يلقى النزاع الأوكرانى ـ الروسى الحالى، بظلاله على الاحتفالات بالذكرى 80 للانتصار على الفاشية ورفع العلم السوفيتى على مقر الرايخ الثالث، وكانت روسيا قد أعلنت منذ بدء العملية العسكرية فى أوكرانيا أنها تسعى للقضاء على الفاشية الجديدة فى أوكرانيا والتى تحرم المواطنين المتحدثين باللغة الروسية من استخدامها بل وتضطدهم، وخاصة فى المناطق الشرقية والجنوبية من البلاد، روسيا بدأت حربها الجديدة ضد الفاشية الأوكرانية الجديدة عام 2014 عندما استعادت شبه جزيرة القرم، ثم بدأت العملية العسكرية فى 24 فبراير 2022 لاجتثاث الفاشية من جذورها، كما أعلن الرئيس بوتين، وبالطبع لمنع اقتراب حلف الناتو من حدود روسيا من خلال منع أوكرانيا من الانضمام للحلف، وبالفعل حققت روسيا معظم أهدافها بل كل أهدافها من عمليتها العسكرية، ويمكنها أن تحتفل يوم 9 مايو 2025 بالذكرى الأولى للانتصار على الفاشية الجديدة فى أوكرانيا.

اليوم نجد روسيا وقد انتصرت على الفاشية الجديدة بأن سيطرت على معظم المناطق الناطقة بالروسية وشبه جزيرة القرم، وبالتالى أبعدت شبح الفاشية عن مواطنين يريدون أن يكونوا مواطنين روس، وعملياً اعترف العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة والأوروبيون لم يقاوموا بروسية تلك المناطق، لإنها الحرب التى كانت حساباتهم لها خطأ، فقد تصوروا أن العقوبات وإمداد أوكرانيا بالسلاح سيفت فى عضد روسيا، لكن كما قال الرئيس بوتين إنه ظل 8 سنوات يعد لهذه الحرب، وكما اقتحمت روسيا برلين عام 1945، اقتحمت مناطقها فى أوكرانيا عام 2022، وأقامت جمهوريات تتمتع بالحكم الذاتى ضمن الاتحاد الروسى، يطلق عليها المناطق الجديدة.  

فى تقدير الخبراء أن روسيا عندما تحتفل بالذكرى 80 للانتصار على الفاشية إنما تحتفل بالذكرى الأولى للانتصار على الفاشية الجديدة فى أوكرانيا ومن خلفها الغرب، أو لنقل انتصارها فى نزاعها مع الغرب على الأرض الأوكرانية، وأتصور أنه لا يخفى على أحد أن الغرب والناتو الذى هدم الاتحاد السوفيتى بالضغط الاقتصادى وسباق التسلح أراد أن يلعب نفس اللعبة مع الاتحاد الروسى لتفتيت روسيا إلى دويلات، لكن انتفاضة روسيا عام 2022 جاءت فى الوقت المناسب وقد أعدت روسيا لها عدتها، بدليل أنها ما زالت صامدة أمام العقوبات التى فرضتها عليها الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة التى تزود أوكرانيا بحوالى 70% من السلاح الذى تستخدمه، ومازالت، ومع ذلك فإن الغلبة على الأرض لروسيا وللسلاح الروسى الذى اثبت تفوقه على ترسانات السلاح الغربية.

بعد الاحتفالات ومع المبادرات السلمية، التى تشير كلها إلى انتصار روسيا وتحقيقها لأهدافها فى النزاع الحالى بين روسيا وأوكرانيا أو لنكن أكثر دقة بين روسيا والغرب على الأرض الأوكرانية، ولا يخفى على أحد أن الغرب دخل هذا النزاع بمبدأ أنه يجب القضاء على روسيا وأنه لن يقبل القسمة على 2، وعلى روسيا أن تستسلم للإرادة الغربية. لكن الغرب كان قد خرج من أفغانستان مثخن بالجراح ويمكن أن نقول هرب من أفغانستان، وهو لا يريد تلقى هزيمة ثانية خاصة الولايات المتحدة، التى أرادت بل وسعت سعياً حثيثاً لتوريط روسيا فى حرب طويلة فى أوكرانيا أو لنقل مستنقع، غير أن روسيا خيبت ظنونهم وصمدت وانتصرت، ويمكن لروسيا فى هذه الذكرى "اليوبيلية" للانتصار على الفاشية فى أوروبا أن تحتفل بالذكرى الأولى للانتصار على الفاشية فى فضاء الاتحاد السوفيتى السابق. 

وربما رفض كييف لمبادرة الرئيس بوتين بوقف العمليات العسكرية خلال 3 أيام الاحتفال بالذكرى 80 للانتصار على الفاشية قد ساهم بدرجة كبيرة ولفت الأنظار للاحتفال الهام بالنسبة لروسيا وعمل دعاية له لم تكن أوكرانيا أو الغرب يقصدونها، فمن ناحية حاول الغرب منع رؤساء الدول القادمين لحضور الاحتفالات فى موسكو من المرور فى مجالاتهم الجوية، ولكنهم تمكنوا من الحضور من خلال طرق أخرى أطول نسبياً لكنهم حضروا.

كما أن رفض أوكرانيا لهدنة الثلاث أيام، التى اقترحها الرئيس بوتين وتكثيفها للهجمات بالمسيرات على العاصمة الروسية وضواحيها مما اضطر السلطات الروسية أحياناً لإغلاق مطارات رئيسية فى العاصمة، جعل القادة الذين قرروا حضور الاحتفال أكثر إصراراً على الحضور، حتى أن الرئيس الصربى "صرح عقب وصوله إنه منتخب من الشعب الصربى وهو من له الحق فى منعه من حضور الاحتفال"، ومن لم يحضر كرئيس وزراء الهند كان لظروف قهرية، ومن هنا يمكن أن نقول إن رفض الرئيس الرئيس الأوكرانى جعله يحظى بعد قبول لدول مهمة مثل البرازيل التى حضر رئيسها والصين كضامنين لأى اتفاق سلام فى المستقبل، إضافة إلى أن الصعوبات والمخاطر فى حضور الاحتفالية أعطتها نوع من الدعاية لم يكن يحلم بها حتى أكثر المتحمسين للاحتفال.

خسر الغرب معركة محاصرة احتفال روسيا بالانتصار على الفاشية الذى حدث منذ 80 عاماً، لتنتصر الإرادة الروسية على الفاشية الأوكرانية التى حاولت أفشال الاحتفال وجعله ليس على المستوى اللائق، وحققت روسيا نصراً جديداً على الفاشية المستحدثة، سواء على أرض المعارك أو على مستوى تخريب الاحتفال، وكأن الفاشية الجديدة تعمل لصالح الفاشية النازية التى أشعلت الحرب وقسمت الشعوب إلى رتب ودرجات وتحدثت عن أن هذا يعيش وذاك يموت، أو يقتل، روسيا تخصصت على ما يبدو فى الانتصار على الفاشيات بكافة أشكالها.