لا يعني أننا بحاجة ماسة إلى دراما تخدم الوطن، أن تختصر في حيز ضيق فيختزلها البعض في مفهوم الدراما الوطنية، إذ إن هناك فرقًا كبيرًا بين دراما يحتاجها الوطن، ودراما وطنية. الأول مفهوم عام وشامل، والثاني يدخل كجزء ضمن عناصر كثيرة جدًا يجب أن نبدأ في البحث عنها والتركيز عليها، فقد تكون قضايا مثل الانتماء، أو الهوية، أو محاربة الشائعات، أو المرأة، أو التربية، أو حتى أطفال الشوارع، أو التنمر، أو التحرش، مفردات لقضايا شائكة تمتد لتندرج تحت مفهوم «دراما يحتاجها الوطن».
وبما أننا نفتقد إلى دراما وطنية بمقاييس ما كان يُقدم في الماضي من أعمال أسهمت كثيرًا في رفع الروح المعنوية، وإعادة فتح ملفات التضحيات لرجال وأبناء مصر، نؤكد أن ما قدمته الدراما المصرية من أعمال وطنية ضمن المفهوم العام والشامل "دراما تخدم الوطن"، كان لها تأثيرها الكبير في الشارع المصري، بل والعربي أيضًا. إذ لعبت تلك النوعية من الدراما دورًا كبيرًا في تشكيل الوعي الوطني والتاريخي على مدى العقود، وتناولت قضايا تتعلق بالوطنية، والنضال ضد الاستعمار، والبطولات العسكرية، وقصص الشخصيات الوطنية التي أثرت في تاريخ مصر.
جسدت العديد من الأعمال الفنية فترات الاحتلال البريطاني والفرنسي، مثل مسلسل "رأفت الهجان" الذي تناول قصة الجاسوس المصري الحقيقي رفعت الجمال، ومسلسل "دموع في عيون وقحة" عن البطل أحمد الهوان، وكذلك فيلم "مصطفى كامل" الذي روى قصة المناضل السياسي الشهير.
كما برزت أفلام أخرى مثل "الطريق إلى إيلات"، وفيلم "الممر" الذي يتناول فترة حرب الاستنزاف، وأفلام "أيام السادات" و"حائط البطولات"، ومنها ما تناول دور المخابرات المصرية في حماية الأمن القومي، مثل سلسلة أفلام "ولاد العم" و"الجزيرة" و"السرب"، بالإضافة إلى مسلسلات مثل "هجمة مرتدة" و"العائدون".
وبالنظر إلى ما قُدم خلال شهر رمضان الماضي، برغم كثرة عدد الأعمال التي تجاوزت الأربعين عملًا، إلا أن ما قُدم لا يندرج تحت مفهوم خدمة الوطن، لأن النظرة التجارية غلبت على تلك الأعمال.
فالمُنتِج ليس دولة، ولا مؤسسة خدمية، ولم تُكتب هذه الأعمال بهدف خدمة المواطن أو الوطن. ولنكن أكثر صدقًا مع أنفسنا، حتى ما حقق نجاحًا مجتمعيًا كان يطرح قضايا لم تكن تصب في المصلحة العامة بشكل كبير، مثل مسلسل "لام شمسية" الذي تناول قضية خاصة تتعلق بالمتحرشين، ومسلسل "قهوة المحطة" أو "النص"، لكن رغم ذلك فقد طُرحت هذه الأعمال بحرفية وذكاء، وحققت نجاحًا.
أما ما يجب أن نفكر فيه جيدًا فهو ما يهم الشأن العام، من القضايا الاجتماعية التي تؤرق المواطن، مثل الفساد، والإرهاب، وتأثير الحروب على المجتمع، كما في مسلسل "الاختيار" بأجزائه المختلفة، والذي قدم قصصًا حقيقية عن تضحيات رجال القوات المسلحة والشرطة في مواجهة الإرهاب. وهذا لم يكن مجرد عمل وطني، بل كان عملًا يخدم المجتمع ككل.
هذا التعبير قد يراه البعض مطاطًا، لكن لو أمعنا النظر فيه لتوقفت كتابات كثيرة عن السرد، وأعاد كثير من الكُتّاب التفكير فيما يقدمونه. لأن كل عمل جيد يصب في الأساس في مصلحة الوطن، فإذا تناولنا قضية الهوية وركزنا عليها، والانتماء وتمادينا في التركيز عليه، لما خرج علينا من يفكر في الهجرة وترك الوطن. فمصر وطن فتح ذراعيه للجميع، وعلى أبنائه أن يفتخروا به، وأن يردوا الجميل بالتفاني في خدمته.
هذه ليست شعارات رنانة، بل ما نحتاجه هو كتابات عن الروح المصرية، عن عبقرية الإنسان المصري. فالدول تفتخر بسنوات البناء وما صنعته في العصر الحديث، لكننا نمتلك حضارة لا ندرك قيمتها كثيرًا، حضارة بها كل شيء، يمكن أن تنهل منها الدراما ما يصنع مئات الأعمال في السينما والتلفزيون والمسرح.
هل فكرنا لماذا نجحت أعمال "أسامة أنور عكاشة" وأصبحت خالدة؟ لماذا مسلسل مثل "ليالي الحلمية"، وقبله "الراية البيضاء"، و"المشربية"، و"آرابيسك"، و"زيزينيا"، و"المصراوية"، كانت وما زالت أعمالًا تصب في مصلحة الوطن؟ لأنها تناولت في رمزيتها قيمة المواطن، قيمة الانتماء، والوطنية الحقيقية. لم يخلُ أي عمل من تلك الأعمال من الحديث عن مصر، وعن انتصارات الإنسان المصري.
في "آرابيسك" قُدمت أجمل صور الانتماء والفخر بالقيم والعادات والتقاليد، وحب الوطن دون شعارات. وعلى نفس النهج قدم كُتاب مثل "وحيد حامد"، و"محمد جلال عبدالقوي"، و"يوسف القعيد"، و"مجدي صابر"، و"عبدالرحيم كمال"، و"أيمن يوسف" وغيرهم، صورًا لأهمية إبراز قيم الإنسانية وإعلاء قيم الوطن.
كان من السهل أن يكون لدينا من بين ال40 عملا فنيا التى عرضت خلال شهر رمضان خمسة أعمال تعلي قيمة الوطن، ليس شرطا أن تكون عن الحروب، أو القوات المسلحة، أو المخابرات، وإن كنا بحاجة لأعمال كثيرة تبرز تضحيات أبنائنا، ولكن فليكن لدينا خطة ولتكن من خلال الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، تؤسس لفكرة أعمال تخدم الوطن، وتحت هذا المعنى مؤكد سيطرح كل الكتاب أفكارهم.