في خطوة لافتة، قرر الاتحاد الأوروبي مراجعة اتفاق الشراكة المبرم مع إسرائيل، الذي تحصل بموجبه على امتيازات في أسواق الاتحاد، وذلك جراء حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف، حيث خرقت فيها كافة المواثيق والقوانين الدولية.
قرار المراجعة
أعلنت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، اليوم الثلاثاء، عن إصدار أمر لمراجعة اتفاق الشراكة القائم بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والذي يُعتبر اتفاقية للتجارة الحرة بين الجانبين.
وجاءت هذه الخطوة بناءً على مطالب أربع دول كبرى داخل الاتحاد، وهي هولندا وإسبانيا وأيرلندا، حاصدةً دعمًا فرنسيًا، وذلك بسبب تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، حيث قطعت إسرائيل دخول المساعدات إليه منذ نحو 80 يومًا.
وقد دعت هذه الدول إلى إجراء تحقيق عاجل فيما إذا كانت الهجمات الإسرائيلية على غزة تنتهك الاتفاقيات التجارية الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، والتي تتضمن بنودًا تتعلق بحقوق الإنسان.
وبدوره، أكد وزير الخارجية الهولندي، كاسبار فيلدكامب، أن أمر مراجعة الاتفاق جاء في أعقاب قرار إسرائيل حظر دخول المساعدات إلى غزة، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الهولندية، اليوم.
ومنذ أيام، تتوالى الانتقادات من دول الاتحاد الأوروبي لإسرائيل بسبب الظروف الإنسانية في قطاع غزة، وبينما طالبت هذه الدول بدخول المساعدات إلى هناك بشكل عاجل، لم تُبدِ "تل أبيب" أي اكتراثٍ لهذه المطالب.
وتمنح اتفاقية الشراكة هذه، التي دخلت حيز التنفيذ بين الجانبين منذ أكثر من 25 عامًا، إسرائيل العديد من الامتيازات في سوق الاتحاد الأوروبي، الذي يعد أكبر شريك تجاري لها.
ماذا يعني "أمر مراجعة اتفاق الشراكة"؟
وفي إطار ذلك، يوضح الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي، أن أمر المراجعة الصادر عن الاتحاد الأوروبي يعني إعادة تقييم شاملة للاتفاقية المبرمة مع إسرائيل.

وأضاف الدكتور أيمن سلامة، في حديث لـ"دار الهلال"، أنه في سياق هذا النص، يبدو أن المراجعة تهدف إلى التحقق مما إذا كانت إسرائيل تلتزم بالبنود الأساسية للاتفاقية، خاصة فيما يتعلق بمسائل حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وذلك على خلفية منع دخول المساعدات إلى غزة.
وفي تقديره، فإن هذه المراجعة قد تتضمن فحص مدى توافق سلوك إسرائيل مع التزاماتها بموجب الاتفاقية، أو مبادئ القانون الدولي التي تُبنى عليها اتفاقيات الشراكة، وذلك فضلًا عن دراسة تأثير منع المساعدات على الوضع الإنساني في غزة، ومدى تأثير ذلك على العلاقة الشاملة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
وعلاوة على ذلك، قد تشمل المراجعة أيضًا جولات من المحادثات مع الجانب الإسرائيلي لمناقشة المخاوف الأوروبية، وفقًا لأستاذ القانون الدولي.
وفي إجابة على سؤال: "هل التعليق يعني إلغاء؟"، أجاب: "لا، 'التعليق' لا يعني 'الإلغاء'، الإلغاء هو إنهاء نهائي للاتفاقية، أما التعليق (أو المراجعة في هذه الحالة) فهو إجراء مؤقت أو مرحلة تقييم".
ومع ذلك، قد تكون المراجعة خطوة تمهيدية نحو تعليق جزئي أو كلي للاتفاقية، أو حتى إلغائها، إذا لم يتم التوصل إلى حلول للمخاوف المثارة، حسب سلامة.
وحول هل يمهد هذا الأمر الطريق لدول أوروبية اتخاذ تدابير مضادة، منها الجزاءات ضد إسرائيل؟ قال: "نعم، هذا الأمر يُعد إشارة خطيرة جدًا ويمكن أن يمهد الطريق لتدابير أكثر صرامة، حيث إنه تاريخيًا، تُعد اتفاقيات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والدول الثالثة أدوات استراتيجية تعتمد على الثقة المتبادلة والالتزام بالمبادئ الأساسية، مثل احترام حقوق الإنسان".
موضحًا أنه عندما يثير الاتحاد الأوروبي مسألة "مراجعة" اتفاقية بهذا الحجم، فهذا يعكس قلقًا عميقًا من جانبه.
وبشأن الآثار القانونية المحتملة، أفاد بأن مجرد الإعلان عن المراجعة يمارس ضغطًا سياسيًا ودبلوماسيًا كبيرًا على إسرائيل، مشيرًا في ذات الوقت، إلى أن هذا الأمر قد يؤدي إعادة التفاوض على بعض بنود الاتفاقية أو إضافة شروط جديدة لضمان الامتثال للقانون الدولي.
وأوضح أنه إذا اعتبر الاتحاد الأوروبي أن إسرائيل تُخالف بشكل منهجي بنود الاتفاقية أو القانون الدولي، فإن الخطوة التالية قد تكون فرض عقوبات اقتصادية أو دبلوماسية، بما في ذلك قيود على التجارة، وحظر على المنتجات، وقيود على العلاقات الدبلوماسية.
وختامًا، أكد سلامة، أن هذه المراجعة هي تحذير صارم من الاتحاد الأوروبي، وتُظهر أن صبره بدأ ينفد، حيث إنها تفتح الباب أمام مجموعة من الإجراءات التصعيدية، بدءًا من الضغط الدبلوماسي وصولًا إلى العقوبات، إذا لم تستجب إسرائيل للمخاوف الأوروبية المتعلقة بدخول المساعدات إلى غزة.