لعقود متواصلة، ظلت مصر المدافع الأكبر عن القضية الفلسطينية عبر موقف ثابت ومرتكزات لا تتغير بشأن حل القضية الفلسطينية، ومنذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023 واصلت مصر جهودها لإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار وتقديم كل أوجه الدعم للشعب الفلسطيني، كذلك وقفت حائطا منيعًا ضد كل خطط ومحاولات تهجير الفلسطينيين من أرضهم.
موقف مصر من القضية الفلسطينية
ومن أهم مرتكزات الرؤية المصرية بشأن القضية الفلسطينية ضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته أمام العديد من المحافل، وآخرها القمة العربية في العاصمة العراقية بغداد الشهر الجاري، والتي أكد خلالها أنه مهما حدث من تطبيع مع إسرائيل فلن يحدث سلام أو استقرار في المنطقة بدون قيام الدولة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطينى في قيام دولته المستقلة.
وعلى مر العقود منذ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، سعت مصر لضمان إقامة دولة فلسطينية مُستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وفقا لمقررات الشرعية الدولية، تكفل للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في إقامة دولته.
تقديم المساعدات
وكانت مصر في طليعة الدول التي هَبَت لإغاثة أشقائها الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث قدمت نحو 70% من المساعدات التي دخلت القطاع منذ ذلك الحين، مع تسهيلها إجراءات الشَحن الجوي والبحري والبري لاستقبال هذه المعونات.
كما استضافت مصر آلاف من الجرحى من أشقائنا الفلسطينيين، ووفرت لهم الرعاية الصحية، فضلا عن تطعيم آلاف من الأطفال الفلسطينيين، وقدمت الدعم اللازم لالتحاق الطلبة الفلسطينيين بالمؤسسات التعليمية المصرية سواء من خلال وزارة التربية والتعليم أو الأزهر الشريف.
وقف الحرب على غزة
ومنذ اندلاع الحرب على غزة، اضطلعت مصر بدور كبير في جهود الوساطة دون توقف، بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية، برغم التعنت الإسرائيلي ومحاولات إفساد التوصل لاتفاق، وتوصلت الأطراف إلى التهدئة ووقف إطلاق النار في قطاع غزة في يناير الماضي، بعد 15 شهراً من بدء الحرب الإسرائيلية التي دمرت قطاع غزة.
إذ نجحت مصر، بالتنسيق مع الوسطاء، في تحقيق رؤيتها التي رفعتها منذ بداية الأزمة؛ وخرج اتفاق الهدنة بين الجانبين من صلب المقترح المصري الذي طرحته القاهرة سابقًا لتبادل الأسرى والمحتجزين والعودة إلى الهدوء المستدام بما يحقق وقفًا دائمًا لإطلاق النار بين الطرفين، وهو الاتفاق الذي دام لمدة شهرين، قبل أن ينتهكه الاحتلال في 18 مارس الماضي باستئناف العدوان على القطاع.
وشدد وزير الخارجية، الدكتور بدر عبدالعاطي، في تصريحات له، عن أن مصر تبذل جهودًا مستمرة في هذا الإطار، لكن "تبقى العقبة الأساسية هي تعنت طرف يفترض نفسه فوق القانون، وينتهك بشكل سافر قواعد القانون الدولي الإنساني، دون أن يواجه أي مساءلة أو محاسبة من المجتمع الدولي".
رفض التهجير
ومن هذا المنطلق كذلك، رفضت مصر أي طرح يقضي بتهجير الفلسطينيين من أرضهم، في ظل تقاطع الرغبات الأمريكية الإسرائيلية إزاء ذلك، معربة عن استمرار دعمها لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة في ارضه ووطنه، وبمبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وأكدت رفضها لأي مساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواءً من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواءً كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل، وبما يهدد الاستقرار وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلي المنطقة، ويقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها.
ودعت المجتمع الدولي إلى العمل على بدء التنفيذ الفعلي لحل الدولتين، بما في ذلك تجسيد الدولة الفلسطينية على كامل ترابها الوطني وفي سياق وحدة قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، وخطوط الرابع من يونيو لعام 1967.
وأكدت مصر موقفها الثابت لأكثر من ثلاثة أرباع القرن، والذي ظل موقفاً مبدئياً راسخاً يعلي من اعتبارات هذا الأمن القومي وحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، وهو ما تحملت مصر من جراءه - راضية وصابرة - أعباء اقتصادية ومالية هائلة، لم تدفعها مطلقاً في أي لحظة، نحو أي تنازل ولو طفيف في مقتضيات أمنها القومي الخاص وأمن أمتها العربية العام، ولا في حق واحد مشروع للشعب الفلسطيني الشقيق".
ولم تكتف مصر برفضها القاطع والنهائي لمشروع التهجير المطروح منذ بدء العدوان على غزة، في المسارات السياسية والدبلوماسية، بل أعلنته عالياً وصريحاً منذ الساعات الأولى لهذا العدوان على لسان قيادتها السياسية، ملزمة نفسها به أمام شعبها والعالم كله، ومتسقة مع أمنها القومي والمصالح العربية العليا ومحافظة على القضية الفلسطينية، ومؤكدة على مبادئ سياستها الخارجية التي تقوم على الأخلاق والرفض التام لأن يكون لاعتبارات المقايضة أي تأثير عليها.
جهود دبلوماسية
ومنذ 7 أكتوبر 2023، جاء الصوت المصري واضحا مناديا بخطورة الوضع الذي تواجهه القضية الفلسطينية، وأنها تواجه منحنى شديد الخطورة والحساسية، وبادرت مصر بعقد قمة القاهرة للسلام في أكتوبر 2023، والتي كانت أول قمة دولية بمشاركة دولية وإقليمية واسعة من أجل الحصول على إقرار دولي بضرورة وقف هذا الصراع وضمان تدفق المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
وخلال القمة أكد الرئيس السيسي الرفض التام للتهجير القسري للفلسطينيين، ونزوحهم خارج أراضيهم، إذ أن ذلك، ليس إلا تصفية نهائية للقضية الفلسطينية وإنهاء لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وإهدارًا لكفاح الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية والإسلامية، بل وجميع الأحرار في العالم، على مدار ٧٥ عامًا، هي عمر القضية الفلسطينية.
وقال الرئيس السيسي في كلمته حينها: "يخطئ في فهم طبيعة الشعب الفلسطيني، من يظن أن هذا الشعب الأبي الصامد راغب في مغادرة أرضه، حتى لو كانت هذه الأرض تحت الاحتلال، أو القصف"، مضيفًا: "كما أؤكد للعالم بوضوح ولسان مبين، وبتعبير صادق، عن إرادة وعزم جميع أبناء الشعب المصري فردًا فردًا، إن تصفية القضية الفلسطينية، دون حل عادل، لن يحدث وفي كل الأحوال لن يحدث على حساب مصر" .
وفي مارس الماضي، استضافت مصر قمة عربية طارئة لتناول التطورات المستجدة والخطيرة للقضية الفلسطينية، وكان أهمها التهجير وإعمار غزة، حيث اعتمدت القمة الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، والتي أعدتها مصر بشأن إعادة إعمار قطاع غزة، دون خروج الفلسطينيين من أرضهم، بهدف تنفيذ تصورات للتعافي المبكر وإزالة الركام وإعادة الإعمار خلال إطار زمني محدد، ودون خروج الفلسطينيين من قطاع غزة، خاصة مع تشبثهم بأرضهم التاريخية ورفضهم الخروج منها.
وأمس، شارك د. بدر عبد العاطى وزير الخارجية والهجرة في الاجتماع الوزاري الموسع لمجموعة مدريد بشأن القضية الفلسطينية يوم ٢٥ مايو ٢٠٢٥ بمدينة مدريد، وذلك لبحث الجهود الدولية الهادفة لإنهاء الحرب على قطاع غزة، والوضع الإنسانى الكارثي في القطاع وسبل نفاذ المساعدات الإنسانية، وحشد التأييد الدولى للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتطبيق حل الدولتين.
إذ أشاد عبد العاطي بتطور المواقف الدولية إزاء التطورات في قطاع غزة والضفة الغربية، مشيراً لأهمية استمرار هذا النهج الداعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مؤكدا أن الكارثة الإنسانية في قطاع غزة وصلت إلى حدود غير مسبوقة.
كما تطرق د. عبد العاطي لمؤتمر تنفيذ حل الدولتين الذي تعتزم فرنسا والسعودية تنظيمه بشكل مشترك في ١٨ يونيو المقبل في نيويورك، مؤكداً أهمية أن يُسفر هذا المؤتمر عن مُخرجات قابلة للتنفيذ، وفي مقدمتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية لدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والعمل على إحلال السلام وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وشدد وزير الخارجية على رفض مقترحات تهجير الفلسطينيين من غزة، وتطرق وزير الخارجية للوضع في الضفة الغربية الذي يزداد حدة مع استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية في مُدن وقُرى الضفة. كما أكد د. عبد العاطي على أهمية إنهاء الاحتلال والعمل على استئناف عملية سياسية جادة لتنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧ وفقاً لمقررات الشرعية الدولية.