الإثنين 2 يونيو 2025

بورتريه الهلال

رفاعة الطهطاوي.. رائد التنوير وشيخ الترجمة

  • 27-5-2025 | 13:19

رفاعة الطهطاوي

طباعة
  • همت مصطفى

حين كانت الأمة تقف على أعتاب قرون من الركود، وتكاد تنقطع صلتها بروح العصر، بزغ اسمه كجسر حضاري نقل العقل العربي من ضيق التقليد إلى أفق التنوير، فأصبح أحد أبرز قادة النهضة العلمية في مصر في العصر الحديث، ولم يكن شاهدًا على لحظة التحول التنويرية فحسب، لكنه كان صانعها، إذ تبلورت رؤاه في مفترق حاسم بين ماضٍ مثقل بالجمود ومستقبل يتطلّب اليقظة والانفتاح، وبإيمانه العميق بدور التعليم، ووعيه بضرورة الموازنة بين الأصالة والمعاصرة،  وكان  يغرد خارج السرب، حيث أسس  تغيير وجهة الخطاب العربي الحديث، ليضع  بذور التحديث الأولى في تربة الواقع المصري، إنه قائد التنوير..  رفاعة رافع الطهطاوي.

وسيظل زعيم  حركة التنوير رفاعة رافع الطهطاوي،  صاحب الدور الأكبر والبارز في إثراء حركة الترجمة وإنشاء مدرسة الألسن، فهوالمُترجم التنويري الذي نشهد ذكرى رحيله اليوم، بجسده فقط، مخلفا أثرًا كبير في مسيرة الثقافة المصرية والعربية.

ولم يمر اسم رفاعة الطهطاوي كاسم عادي  في سجل التاريخ، لكنه سيبقى  كفكرة  وقيمة عالية، وأيقونة خالدة  بفكره وأثره ، ومعلّمًا أول للتنوير العربي، من قلب الأزهر الشريف، إلى ساحات الفكر والنقاش.

 الميلاد  والنشأة 

ولد رفاعة الطهطاوي في 15 أكتوبر من عام 1801م، بمدينة طهطا في محافظة سوهاج بصعيد مصر، حظي بعناية  كبيرة وخاصة من والده، وأخواله الذين كانوا شيوخًا وعلماء؛ فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ثم التحق وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر الشريف عام 1817م،  ودرس الحديث والفقه والتفسير والنحو والصرف.

قررت الحكومة المصرية إرسال «الطهطاوي» في بعثة علمية إلى فرنسا لدراسة العلوم والمعارف الإنسانية عام1817م، وهذه الفرصة  أتيحت له فقط، و لم تتح لأحد من أقرانه، وكان ذلك لدأبه الكبير وعلمه الواسع.

كان «الطهطاوي» واحدًا من ثلاثة علماء أزهريين مرافقين للبعثة، و رشحه لذلك شيخه حسن العطار، تعلّق رفاعة الطهطاوي بالفرنسية،  وفُتح له باب التنوير.

بداية طريق التنوير

بدأ رفاعة الطهطاوي، تعلم اللغة الفرنسية، لذلك قررت الحكومة المصرية ضمه إلى بعثتها التعليمية، إلى الغرب، وخاصة إلى باريس بفرنسا وأن يتخصص في الترجمة، وقبل أن يتقدم «رفاعة» للامتحان النهائي أنجز ترجمة 12  مؤلفًا إلى العربية.

وكانت مدرسة الألسن بداية طريق التنوير لـ رفاعة الطهطاوي، الذي عاد إلى مصر سنة 1831م، من بعثته التعليمية ممتلئًا بالأمل ومستعدًا للعمل، فاشتغل بالترجمة في مدرسة الطب، ثم عمل على تطوير مناهج الدراسة في العلوم الطبيعية،  ليفتتح فى عام 1835م، مدرسة الترجمة.

أسس «الطهطاوي» عام 1835م  مدرسة الترجمة، التي صارت فيما بعد مدرسة الألسن، وعُين مديرا لها إلى جانب عمله مدرسًا بها، وفي هذه الفترة نجح المشروع الثقافي الكبير لرفاعة الطهطاوي ووضع الأساس لحركة النهضة التي نجني ثمارها حتى الآن.

كتب رفاعة الطهطاوي

كان رفاعة الطهطاوي صاحب  دور مهم في عن الترجمة والتأليف ولم ينقطع عنهما أبدا في رحلته  بالحياة ووصفه تلميذه النابه صالح مجدي بأنه «قليل النوم، كثير الانهماك على التأليف والتراجم»، و بدأ «الطهطاوي» إنتاجه الفكري منذ أن كان مبعوثًا في فرنسا، ومن أهم كتبه:

  • مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية.
  • المرشد الأمين في تربية البنات والبنين.
  • أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيل.
  • «نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز»، وهو آخر كتاب ألفه الطهطاوي، وسلك فيه مسلكا جديدا في تأليف السيرة النبوية تبعه فيه المحدثون.
  • « تخليص الإبريز فى تلخيص باريز »، و فيه نقل قدم حضارة الغرب، وخاصة الفرنسية بعيون مصرية

 وتزيد  الكتب التي قام بترجمتها  فهي تزيد عن خمسة وعشرين كتابًا، في التاريخ والجغرافيا ومختلف العلوم وذلك غير ما أشرف عليه من الترجمات وما راجعه وصححه وهذبه. 

و لعب رفاعة الطهطاوي دورًا كبيرًا فى إصدار الجريدة الرسمية لمصر «الوقائع المصرية» ، حرر مجلة  «روضة المدارس» التي أصدرها  التويري على مبارك وزير المعارف آنذاك.

صون الآثار المصرية

واهتم ارفاعة رافع الطهطاوي بالآثار المصرية اهتمامًا بالغًا، وكان من أوائل من أدركوا قيمتها الحضارية والتاريخية،  وعبّر عن رفضه الشديد لنقل مسلّة «الكرنك» إلى باريس، تلك التي أهداها محمد علي باشا لفرنسا، فكان صوته آنذاك نادرًا في زمنٍ غابت فيه الصحافة، وندر فيه المعارضون،  ففي ظل حكمٍ مركزي يُمسك فيه محمد علي بمقاليد السلطة بلا منازع، لم يكن من السهل أن يُسمع صوت معارض، إلا أن  الشيخ والتنويري «الطهطاوي» امتلك من الشجاعة قدرًا كبيرًا، وإخلاصا لهويته وحضارته  المصرية العريقة، ما جعله يقف موقف المدافع عن تراث وطنه الغالي ، متحديًا صمت المرحلة ومجاهرةً بما لم يجرؤ كثيرون على قوله.

 وفي إحدى مقولاته، ووصف «الطهطاوي»  قيام الأجانب بأخذ الآثار المصرية لأوطانهم بطريقة السلب والنهب، مؤكدا أنها تشبه سلب البعض مصوغات غيرهم فهى عملية نهب واضحة لا يلزم لها أى إثبات».

رحيل وأثر باق 

رحل  رفاعة الطهطاوي، رائد التنوير ورائد الترجمة في العصر الحديث بلا منازع، وصاحب المعرفة  في مثل هذا اليوم 27 مايو عام 1873م  لكنه ترك إرثًا كبيرًا وعظيمًا من المعرفة في العلوم والترجمة، و لم ترحل الفكرة التى اعتنقها وعمل على تأصيلها فستظل أفكاره وإنجازاته محفورة فى ذاكرة تاريخ الأمة المصرية.

الاكثر قراءة