استقبلت القاهرة أمس، رفائيل جروسي، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، حيث استقبلهم الرئيس عبد الفتاح السيسي ، مؤكدا خلال مباحثاته مع "جروسي" ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وتتطلع لتعزيز الوكالة لدورها في دعم جهود تحقيق عالمية معاهدة عدم الانتشار، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.
كذلك أكد الرئيس السيسي أهمية المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، خلال لقائه مع عراقجي، مشدداً على ضرورة وقف التصعيد للحيلولة دون الإنزلاق إلى حرب إقليمية شاملة ستكون ذات تداعيات خطيرة على أمن ومقدرات جميع دول وشعوب المنطقة.
وأكد خبراء سياسيون أن الزيارة تأتي في إطار جهود مصر وحرصها على الاستقرار الإقليمي في المنطقة ورفض محاولات التصعيد، وكذلك دعمها للتوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي لطهران، ورفض القاهرة أي تحريض على الخيار العسكري، وأي تصعيد في المنطقة التي تعاني من أزمات غير مسبوقة.
زيارة "جروسي" وعراقجي" للقاهرة
استقبل الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أمس، مؤكداً أن مصر كانت في طليعة الدول الداعمة لمنظومة نزع السلاح ومنع الانتشار النووي، وتهدف إلى الوصول إلى عالم خال من الأسلحة النووية، موضحا أن الخلل التعاهدي الحالي بالنسبة لالتزامات الدول في إطار منع الانتشار في منطقة الشرق الأوسط يفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
ولفت إلى أن إسرائيل تظل الدولة الوحيدة بالمنطقة التي لم تنضم لمعاهدة عدم الانتشار وترفض إخضاع كافة منشآتها النووية لضمانات الوكالة، مشددًا على ضرورة انضمام إسرائيل لمعاهدة منع الانتشار النووى كدولة غير نووية، معرباً عن التطلع لقيام المدير العام ببذل الجهد في إطار تنفيذ القرار السنوي الصادر عن المؤتمر العام للوكالة بشأن تطبيق الضمانات في الشرق الأوسط.
وفي المشاورات السياسية بين مع نظيره الإيراني ونتائج جولات المفاوضات الخمس بين الولايات المتحدة وإيران حول البرنامج النووى الإيرانى، أكد وزير الخارجية التطلع بأن تُكلل تلك المفاوضات بالنجاح، بما يؤدي إلى التوصل إلى تسوية سلمية شاملة ومستدامة تسهم في نزع فتيل التوتر وتحقيق التهدئة وتجنيب المنطقة التصعيد وعدم الاستقرار.
وخلال مؤتمر صحفي أمس، أكد "عبد العاطي"، ضرورة عدم تفويت فرصة التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي، مشددًا على رفض القاهرة أي تحريض على الخيار العسكري، ورفض أي تصعيد في المنطقة ربما لا تحمد عقباه.
وتابع: "نؤكد أهمية الوصول إلى حل سلمي بين إيران والولايات المتحدة، في إطار احترام حقوق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة الذرية"، معبر عن استعداد مصر لتقديم كل الدعم لإنجاح المسار السلمي بشأن البرنامج النووي، لما سيكون له من تداعيات مباشرة على الأمن الإقليمي وفي العالم العربي.
موقف مصري برفض التصعيد
وقال الدكتور محمد مرعي، الباحث في المركز المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي إلى القاهرة ليست الأولى، بل هي الزيارة الثالثة منذ عام 2014 وحتى الآن، موضحًا أن هناك تحركات مصرية وإيرانية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة تهدف إلى ترميم العلاقات الثنائية بين الدولتين، والسعي نحو تطوير هذه العلاقات والانفتاح بشكل أوسع، وصولًا إلى تطبيع كامل بين القاهرة وطهران.
وأوضح، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن القاهرة تُعد قوة مركزية في المنطقة، وتنتهج في سياستها الخارجية – خاصة خلال العامين الأخيرين – استراتيجية ترتكز على التهدئة في ظل الصراعات الإقليمية، بدءًا من الحرب على غزة وما تبعها من توترات في الشرق الأوسط، بما في ذلك البحر الأحمر والمواجهات بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، والهجمات المتبادلة بين إسرائيل والحوثيين، والمواجهات المباشرة بين إسرائيل وإيران العام الماضي.
وأكد أن موقف القاهرة كان واضحًا منذ البداية، حيث تستند إلى استراتيجية رئيسية مفادها العمل على تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط لا يأتي باستخدام الحلول العسكرية، وإنما عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية، موضحا أن إيران قوة رئيسية في المنطقة، وكذلك مصر، وإعادة ترميم العلاقات مع طهران تأتي بهدف توسيع مجالات التعاون والتنسيق السياسي والدبلوماسي في سبيل معالجة الأزمات التي تمر بها المنطقة، ومنع الانزلاق نحو الفوضى التي قد تؤثر على مصالح الجميع، بما في ذلك مصر وإيران ودول الخليج، وحتى إسرائيل، التي يحكمها الآن مجموعة من المتطرفين يسعون لتفجير المنطقة تحت دعوى تغيير وجه الشرق الأوسط والنظام الأمني الإقليمي بما يخدم مصالح الاحتلال فقط.
وأشار "مرعي" إلى أنه هناك عوائق لهذه التحركات، وهناك قوى عربية تقودها مصر ودول إقليمية أخرى لا تقبل مثل هذه المساعي الإسرائيلية، موضحًا أن مصر لديها موقف ثابت بشأن ضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وأعلنت دعمها المسبق للمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية بهدف الوصول إلى حل سلمي وسياسي لملف البرنامج النووي الإيراني، بما يسهم في خفض حدة التصعيد في المنطقة وتجنب أي مواجهات عسكرية تؤثر سلبًا على مصالح الجميع، وهو نفس موقف دول الخليج العربي، التي تدرك بدورها أن أي تصعيد عسكري سيكون له تبعات مباشرة عليها.
وشدد على أن مصر تعمل من خلال أدواتها السياسية والدبلوماسية لمنع تفجير الوضع في المنطقة، ولعبت دورًا سياسيًا ودبلوماسيًا فاعلًا العام الماضي أثناء المواجهات بين إسرائيل وإيران، وكان لها دورًا للوساطة وسعت لخفض التصعيد، بل وتعاونت مع أطراف إقليمية والولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن.
وأضاف أن تتبع مصر استراتيجية الحياد الاستراتيجي، حيث تمتلك علاقات متوازنة مع جميع الأطراف والقوى الفاعلة في المنطقة، بما في ذلك دول الخليج، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وحتى إسرائيل بموجب اتفاقية السلام، موضحا أن مصر تعمل دائمًا على خفض التصعيد.
ولفت إلى أن المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة مرتبطة بشكل وثيق بما يحدث في غزة، ولا يمكن فصل هذا الملف عما يحدث في المنطقة، مشيرا إلى أن دور مصر في القضية الفلسطينية لا يزال محوريًا وفاعلًا وتسعى من خلاله لإنهاء الحرب التي تُعد أساسًا لكثير من التوترات الحالية في المنطقة، من البحر الأحمر إلى غيرها من الملفات.
موقف مصر من المفاوضات النووية الإيرانية
وأوضح أنه فيما يخص المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، فإن الموقف المصري يدعم الحل السياسي والدبلوماسي للوصول لاتفاق جديد، وتدرك خطورة الحل العسكري للتعامل مع هذا الملف، موضحًا أنه تمت خمي جولات تقريبا للمفاوضات بين طهران وواشنطن في عمان وروما، ولا تزال هناك خلافات حول نسبة تخصيب اليورانيوم، إيران تقول إنها ربما تخفض نسبة التخصيب من اليورانيوم إلى 3%، بينما تطرح الإدارة الأمريكية أفكارًا مثل تخلي إيران عن التخصيب الكامل لليورانيوم على أراضيها، وإجراء هذه الأنشطة في دول إقليمية مثل بعض دول الخليج أو حتى مصر، وهي محاولات لتقليل الفجوات وتفاهمات لإنجاح الجهود الجارية لتجنب أي عمل عسكري.
وتابع: أما إسرائيل، فهي تسعى لتفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وهو أمر رفضته إيران صراحة، حيث تؤكد أن الاستخدام السلمي للطاقة النووية أمر مشروع في جميع الدول، مضيفا أنه من المفارقة أن إسرائيل، لم توقّع حتى الآن على معاهدة منع الانتشار النووي، لكنها تطالب الآخرين بذلك.
وأضاف الباحث السياسي أن إسرائيل لم تعترف بامتلاكها لأسلحة نووية إلا في بعض التصريحات لبعض المسؤولين الإسرائيليين، آخرها تصريح وزير التراث الإسرائيلي– قبل أكثر من عام ونصف – والذي طالب بإلقاء قنبلة نووية على غزة في ظل الحرب الدائرة، مما يدل على أن إسرائيل لا يعنيها أمن أو استقرار المنطقة، بل تسعى لفرض هيمنتها بالقوة والغطرسة وتجاهل القانون الدولي، لكن بالتأكيد هذا لن يحدث.
وشدد على أن هذه المنطقة تملك من التاريخ والوعي السياسي ما يكفي لرفض الهيمنة أو فرض السيطرة بالقوة، حتى وإن تمكنت الولايات المتحدة من إضعاف النفوذ الإيراني إقليميًا، فإن ذلك لا يعني أن تظن إسرائيل أن لها الحق في الهيمنة على القرار الاستراتيجي في الشرق الأوسط.
القاهرة تتحرك لحماية استقرار المنطقة
ويقول الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، إن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى القاهرة تُعد زيارة مهمة، وفي توقيت دقيق للغاية، وهي تحمل في طياتها دلائل واضحة على احتمال فتح مسارات سياسية بين مصر وإيران، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الإيراني، حين أكد أنه سيتم إجراء لقاءات ومقابلات على مستوى دون الوزاري، تمهيدًا لعودة العلاقات الطبيعية بين القاهرة وطهران.
وأضاف سلامة، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن هذه الخطوة حظيت باهتمام كبير، خاصة في ظل مخاوف من تصعيد إقليمي محتمل، في ضوء التهديدات الإسرائيلية الأخيرة باستهداف إيران، موضحا أنه في المقابل، تجري مفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الملف النووي الإيراني، وهذا لا يعني بالضرورة دخول مصر مباشرة على خط الملف النووي الإيراني إلا أن هناك إشارة جامعة يمكن استخلاصها من التحركات المصرية، وهي أهمية منع التصعيد من جميع الأطراف.
وأشار إلى أن دعوة مصر لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي تُعد رسالة واضحة، موجهة إلى إسرائيل على وجه الخصوص، مضيفا أن هذه الرسالة تبلورت في لقاء وزير الخارجية المصري بنظيره الإيراني تزامنا مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة، وهو حضور يحمل دلالة مهمة بشأن الملف النووي في المنطقة بشكل عام.
وشدد على أن هناك ترحيبًا إيرانيًا واضحًا بفكرة التقارب مع مصر، تجلّى في الزيارات واللقاءات المتكررة، التي بلغت حوالي أربع إلى خمس لقاءات بين مسؤولين من الجانبين، ما يشير إلى إمكانية حدوث تقارب ملموس خلال الأمد المنظور.
وأوضح "سلامة" أن زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمصر، فهذا الأمر جاء نتيجة التقرير الأخير الصادر عن الوكالة قبل ساعات أو أيام قليلة من اللقاء، خاصة مع وجود مخاوف من أن تستغله إسرائيل كمبرر لتوجيه ضربات للمصالح أو المواقع الإيرانية.
ولفت إلى أن التحرك المصري في هذا السياق يمثل نوعًا من "جرس الإنذار الاستباقي"، تحسبًا لمحاولة إسرائيلية لاستغلال التقرير الذي أشار إلى أن إيران وصلت إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي نسبة تُثير القلق بشأن احتمال اقتراب إيران من القدرة على تصنيع سلاح نووي، مؤكدا أن الموقف المصري واضح برفض أي تصعيد عسكري في المنطقة، والعمل على منع أي انزلاق نحو مواجهات مفتوحة.
وشدد على أن الإيرانيين، يمتلكون خطوطًا حمراء واضحة، بخصوص الملف النووي، ولكن في ذات الوقت يتمتعون ببراجماتية عالية، لذا، ليس من المستبعد أن يُبدوا موقفًا بأنه لا تنازل عن التخصيب ولكن هناك مرونة في مجالات التخصيب أو في نسبه أو حتى في مراحل زمنية معينة، في إطار ما يُعرف بالتوافق وسياسة "الكسر المرحلي"، والتي قد يتم استغلالها لمصالحهم التفاوضية.
وأشار إلى أنه من المحتمل أن يحدث تقارب بين الطرفين – الولايات المتحدة وإيران – وقد يصل الأمر إلى حافة التصعيد القصوى، لكن الذهاب إلى مواجهة عسكرية شاملة يبدو مرفوضًا من الجانبين، وهنا يأتي دور مصر التي تتبنى موقفًا ثابتًا برفض أي تصعيد عسكري في المنطقة.