ارتبط اسم الفنان الراحل محمود المليجي بلقب "شرير السينما"، لكنه لم يكن مجرد ممثل يؤدي دور الشرير بملامح قاسية ونظرات حادة، بل كان فنانًا شاملاً، يمتلك أدوات تعبيرية، وموهبة صقلتها السنوات، جعلته أحد أعمدة الفن العربي في القرن العشرين.
وأثبت المليجي الذي تحل اليوم ذكرى وفاته، على مدار مسيرته الطويلة، أن الشر في السينما ليس مجرد أدوار مرسومة بملامح خشنة وأصوات حادة، بل هو انعكاس لشرور نفسية واجتماعية.
ميلاده ونشأته الفنية
ولد المليجي في 22 ديسمبر 1910، وبدأت رحلته الفنية على خشبة المسرح، قبل أن تنتقل موهبته إلى السينما، لم يكن "الشر" لدى المليجي سطحيًا أو كاريكاتيريًا، بل محمولًا بدوافع إنسانية تقنع المشاهد بواقعية الشخصية.
أبرز أعماله
وتعد أبرز أعمال المليجي التي رسّخت صورته كشرير أفلام "اللص والكلاب"، و"رصيف نمرة ٥"، و"جميلة بوحيرد"، وفي هذا الفيلم الذي تناول قصة المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، قدّم المليجي دور "المستعمر الفرنسي" بكل ما يحمله من شر. ورغم أن دور المليجي في هذا الفيلم كان من النوع الثانوي، إلا أن حضوره كان قويًا
في تجسيد القسوة الاستعمارية التي لا تعرف الرحمة. قدّم المليجي براعته في تجسيد الشخصية المحتلة التي تمثل الشر في أبشع صورها، ليُضفي على الفيلم بُعدًا فنيًا وتاريخيًا من خلال أدائه المتقن.
ولم تحصر أدوار المليجي في الشر فقط، لكنه برع في أدوار إنسانية ذات طابع درامي، كما في فيلم "الأرض" 1970 مع يوسف شاهين، حيث قدّم شخصية "محمد أفندي" بأسلوب واقعي حمل مزيجًا من التردد والضعف والخوف، وهي من أبرز محطاته الفنية وأكثرها تأثيرًا.
كما كانت له أدوار كوميدية خفيفة، وأخرى فلسفية، أظهرت قدرته على التنوع والابتعاد عن النمطية، حيث امتاز المليجي بثقافته العالية واهتمامه بالشأن العام، الأمر الذي انطبع على آدائه.
ومن المفارقات في محطات المليجي هي لحظة وفاته، فبينما كان يصوّر مشهد وفاته في فيلم أيوب مع النجم عمر الشريف، أغمض عينيه بالفعل ولم يفتحهما مجددًا. وظن الجميع أنه يؤدي المشهد ببراعة، لكنه كان قد رحل في صمت، بآداء هادئ.
رحل محمود المليجي في 6 يونيو 1983، بعد أن قدّم أكثر من 750 عملًا، ليبقى رمزًا خالدًا في تاريخ الفن العربي، ليس فقط كـ"شرير الشاشة"، بل كفنان آمن بقوة التمثيل، وجعل من كل شخصية يؤديها قصة قائمة بذاتها.