طوال 60 يومًا من المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، حرصت الأخيرة على كبح أي تصعيد عسكري إسرائيلي ضد إيران، في محاولة لتهيئة أجواء تفاوضية مستقرة، إلا أن هذا التوازن الهش لم يدم طويلًا؛ فقد شنت إسرائيل، اليوم، سلسلة هجمات جوية مدمرة استهدفت عشرات المواقع الإيرانية، وسط نفي أمريكي رسمي لأي دور في العملية.
غير أن مراقبين يرون أن الهجمات ما كانت لتتم دون تنسيق مسبق أو ضوء أخضر غير معلن من واشنطن، التي لطالما استخدمت سياسة "النفي المسبق" لإدارة صراعات المنطقة من وراء الستار.
لا دور لنا
أثناء ما كان الطيران الإسرائيلي يدك عشرات المواقع الإيرانية، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية، أن بلادها لا تشارك في الهجمات الإسرائيلية على إيران، وأنه لا ينبغي على طهران أن تستهدف الولايات المتحدة في أي رد تفكر فيه.
وأكدت الولايات المتحدة -في بيان صادر عن وزارة الخارجية- أن إسرائيل اتخذت إجراءً أحادي الجانب ضد إيران، مؤكدة أنها ليست منخرطة فيه، مشددة على أن أولويات البلاد القصوى، هي حماية القوات الأمريكية في الشرق الأوسط.
وأشار البيان إلى أنه بناءً على تعليمات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اتُّخذت جميع الإجراءات اللازمة لحماية قواتها في المنطقة، لافتًا إلى أن واشنطن على تواصل مع شركائها الإقليميين.
وفي أول تعليق له على الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع إيرانية، نفى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجود علاقة مباشرة لبلاده بالعملية، حيث أكد أن الجيش الأميركي لم يشارك "بأي شكل" في الضربات الجوية، مشددًا على أن واشنطن "لن تشارك أبدًا" في أي هجمات مستقبلية ضد طهران، بحسب ما نقلته شبكة "فوكس نيوز" الأميركية.
غير أن من اللافت أن الهجوم الإسرائيلي يأتي بعد انتهاء مهلة الشهرين التي منحها الرئيس الأمريكي لطهران للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي عبر المحادثات، قبل تفعيل الخيار العسكري.
وأعرب ترامب في ذات الوقت عن أمله في استمرار المفاوضات النووية بين بلاده وطهران، التي تُجرى حاليًا بوساطة سلطنة عُمان.
وتوقع ترامب أن تقدم إيران على رد انتقامي جراء الضربات الإسرائيلية، مضيفًا أن الولايات المتحدة "ستدافع عن إسرائيل إذا لزم الأمر".
وجاء الهجوم الإسرائيلي على طهران بعد سويعات من تأكيد الرئيس الأمريكي أنه يفضل إبرام اتفاق في الملف النووي، وإن أي هجوم إسرائيلي محتمل على طهران "سيدمر كل شيء".
وتزامن ذلك مع حالة تأهب أمريكي في المنطقة، حيث تم السماح للموظفين الأمريكيين غير الأساسيين في الشرق الأوسط بمغادرة الدول التي يخدمون فيها.
تتحملون المسؤولية
في المقابل، حمَّلت طهران الولايات المتحدة عواقب الهجوم الواسع الذي شنته إسرائيل على البلاد فجر اليوم، مستهدفًا عشرات المواقع والقادة الإيرانيين، وذلك وفق ما جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية الإيرانية.
وسبق أن أكدت إيران أن أي استهداف لها سيُقابل برد قاسٍ، لن يقتصر على إسرائيل فحسب، بل سيمتد ليشمل القواعد الأمريكية المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط.
وفي أعقاب هجمات اليوم، توعدت إيران، إسرائيل بـ"عقاب صارم"، ردًا على استهدافها.
ويُرجّح مراقبون أن الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف طهران لم يكن بمعزل عن الولايات المتحدة، بل جاء ضمن إطار "خداع استراتيجي" شاركت فيه واشنطن بشكل غير معلن إلى جانب تل أبيب.
وبالنسبة للمفاوضات النووية، أكد التلفزيون الإيراني أن بلاده لن تشارك في المباحثات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة، المقرر عقدها في العاصمة العمانية مسقط الأحد.
ويأتي هذا بينما تواجه مفاوضات البرنامج النووي الإيراني لحظة حرجة بسبب مسألة التخصيب، فبينما تؤكد الولايات المتحدة ضرورة أن يخلو أي اتفاق من السماح لطهران بتخصيب اليورانيوم، تشدد الأخيرة على أن ذلك حق مكفول لها بموجب القانون الدولي، وغير قابل للتفاوض.
الهجوم الإسرائيلي
وفجر الجمعة، نفذت إسرائيل هجومًا واسع النطاق على إيران، شاركت فيه أكثر من 200 مقاتلة، في عملية حملت اسم "الأسد الصاعد"، استهدفت خلالها منشآت نووية في مناطق متفرقة، واغتالت عددًا من القادة العسكريين والعلماء.
وزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن هدف هذه العملية غير المسبوقة هو ضرب البنية التحتية النووية الإيرانية، ومصانع الصواريخ الباليستية، والعديد من القدرات العسكرية.
واغتيل في الهجوم، حسين سلامي قائد الحرس الثوري، محمد باقري رئيس هيئة الأركان العامة، والجنرال غلام علي رشيد، وعلماء، فضلًا عن مقتل نساء وأطفال.
كان الهجوم الإسرائيلي على طهران متوقعًا منذ بداية العام الحالي، غير أن واشنطن حالت دون تنفيذه، في مسعى لإعطاء المسار الدبلوماسي فرصة قد تفضي إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني.