طلبت إيران من مجلس الأمن في رسالة بعث بها وزير خارجيتها عباس عراقجي إلى مجلس الأمن في وقت سابق (بتوقيت نيويورك)، عقد جلسة إحاطة طارئة مفتوحة تليها مشاورات مغلقة بشأن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران.
وأيدت الصين وروسيا طلب الاجتماع-وفق بيان مجلس الأمن- الطلب الإيراني، فيما ياتي الاجتماع في إطار بند جدول الأعمال "التهديدات للسلم والأمن الدوليين" .
ويقدم الإحاطة وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وشؤون بناء السلام روزماري ديكارلو، والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل ماريانو جروسي، كما تشارك إيران وإسرائيل في الإحاطة بموجب النظام الداخلي للمجلس.
في غضون ذلك، قالت إسرائيل -وفق بيان مجلس الأمن- إن عمليتها ضربت أكثر من 100 هدف في إيران، بما في ذلك منشآت نووية ومصانع صواريخ وأنظمة دفاع جوي، كما قُتل ما لا يقل عن 20 من كبار القادة العسكريين، بالإضافة إلى العديد من العلماء النوويين، ونفذ الهجوم طائرات مقاتلة وطائرات بدون طيار وقوات خاصة إسرائيلية تعمل داخل الأراضي الإيرانية، وأفادت التقارير أن العملية كانت مستمرة ومن المتوقع أن تستمر على مراحل .
وذكر بيان مجلس الأمن، أن منشأة "نطنز" للتخصيب النووي، كانت من بين الأهداف التي تم ضربها، فيما يعد الموقع أكبر منشأة لتخصيب اليورانيوم في إيران، وقد أنتج غالبية اليورانيوم عالي التخصيب في البلاد، بينما قال الجيش الإسرائيلي إنه ألحق أضرارا بالمنطقة بالموقع التي تحتوي على أجهزة الطرد المركزي المستخدمة للتخصيب .
وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل ماريانو جروسي في بيان سابق إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية على اتصال بالسلطات الإيرانية "للتأكد من حالة المنشآت النووية ذات الصلة وتقييم أي آثار أوسع على السلامة والأمن النوويين"، وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في وقت لاحق أن مستويات الإشعاع خارج منشأة نطنز "ظلت دون تغيير".
وفي خطاب بالفيديو، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الهجوم بأنه "عملية عسكرية مستهدفة لدحر التهديد الإيراني" لإسرائيل، مشيراً إلى إنتاج إيران لليورانيوم عالي التخصيب والخطوات التي ورد أن البلاد اتخذتها لتسليح المواد النووية "في وقت قصير جدًا"، والتي وصفها "بأنها خطر واضح وقائم على بقاء إسرائيل"، وفي إشارة إلى المفاوضات الثنائية بين إيران والولايات المتحدة بشأن اتفاق جديد للحد من الأنشطة النووية الإيرانية، قال إن إيران رفضت التخلي عن برنامجها للتخصيب وكانت "تشتري الوقت"، مما أجبر إسرائيل على التحرك، وعارض نتنياهو خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 —التي حدت من البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف عقوبات الأمم المتحدة— وأيد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال فترة ولايته الأولى بسحب الولايات المتحدة من الاتفاقية.
وفي رسالته إلى مجلس الأمن، أدان وزير خارجية إيران عباس عراقجي الهجوم العسكري الإسرائيلي، ووصفه بأنه "عمل عدواني غير قانوني"، مشيرا إلى أن الضربة على موقع نطنز —الذي يخضع لضمانات ومراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية— تنطوي على خطر "كارثة إشعاعية"، ووصف الهجوم بأنه عمل من أعمال "إرهاب الدولة" الذي يهدد السلم والأمن الدوليين، فضلا عن انتهاك خطير لميثاق الأمم المتحدة والقانون الإنساني الدولي ونظام منع الانتشار النووي التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أشار عراقجي إلى حق إيران في الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وقال إن إيران "سترد بشكل حاسم ومتناسب" على الهجوم وحث مجلس الأمن على اتخاذ إجراءات عاجلة لمحاسبة إسرائيل.
وبعد ساعات من الضربات الإسرائيلية، نفذت إيران المرحلة الأولى الواضحة من ردها بإطلاق أكثر من 100 طائرة بدون طيار باتجاه إسرائيل، وتم اعتراض أغلب هذه الطائرات بواسطة أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية.
ورغم أن ترامب عارض في السابق خطة اقترحها نتنياهو لضرب المنشآت النووية الإيرانية في عملية إسرائيلية أمريكية مشتركة —واختار بدلا من ذلك مواصلة المفاوضات الثنائية مع إيران بشأن حل دبلوماسي—، فإنه بدا وكأنه يرحب بالهجوم الإسرائيلي، وفي منشورات منفصلة على وسائل التواصل الاجتماعي، انتقد ترامب إيران لرفضها المقترحات الأمريكية للتوصل إلى اتفاق نووي جديد وحث البلاد على "عقد صفقة" لتجنب المزيد من العمل العسكري، قائلاً إن لديها الآن "فرصة ثانية"، وأشار لاحقًا للصحفيين إلى أن الهجوم قد يضغط على إيران من أجل "التفاوض بجدية"، وكان من المقرر أن تعقد إيران والولايات المتحدة جولة سادسة من المفاوضات النووية يوم الأحد (15 يونيو) في عمان، لكن لم يكن من الواضح ما إذا كانت المحادثات ستستمر.
ووصف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو العملية الإسرائيلية بأنها "عمل أحادي الجانب" لم تشارك فيه الولايات المتحدة، مشددا على أن الأولوية القصوى للبلاد هي حماية القوات الأمريكية في المنطقة وتحذير إيران من استهداف المصالح أو الأفراد الأمريكيين، وبينما قالت إيران في وقت سابق إنها ستحاسب الولايات المتحدة على أي هجوم إسرائيلي، لم يذكر عراقجي الولايات المتحدة في رسالته إلى مجلس الأمن، ويشير المحللون، وفق بيان مجلس الامن، إلى أن إيران قد تحاول صياغة رد يعيد الردع دون جر الولايات المتحدة إلى صراع أوسع نطاقا .
أدان الأمين العام أنطونيو جوتيريش في بيان "أي تصعيد عسكري في الشرق الأوسط"، وقال إنه يشعر بقلق خاص إزاء الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، وأشار إلى التزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتصرف وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وحث الجانبين على إظهار أقصى درجات ضبط النفس، "وتجنب الانزلاق إلى صراع أعمق بأي ثمن، وهو الوضع الذي لا تستطيع المنطقة تحمله"، ومن بين ردود الفعل الأخرى من المجتمع الدولي، أدانت معظم الدول الإقليمية الهجمات أيضًا، في حين أعربت دول أخرى —مثل الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة— عن قلقها بشأن التصعيد وكررت ما قاله جوتيريش، ودعت إلى ضبط النفس.
ويرى مجلس الأمن،أن الهجوم الأخير يمثل تصعيدا كبيرا في الأزمة المستمرة في الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، في أعقاب الهجوم الذي قادته حماس في 7 أكتوبر 2023 على إسرائيل، وانفتحت عدة جبهات بين إسرائيل والجماعات المسلحة التي تشكل "محور المقاومة الإيراني" في المنطقة، بما في ذلك لبنان والعراق وسوريا.
وفي أبريل 2024، انخرطت إيران وإسرائيل في مواجهة عسكرية مباشرة لأول مرة عندما شنت إيران ضربات بطائرات بدون طيار وصاروخية ضد إسرائيل ردًا على قصف الأخيرة للقنصلية الإيرانية في دمشق، وفي وقت لاحق، وفي أعقاب اغتيال إسرائيل للزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في يوليو 2024 والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في بيروت في سبتمبر 2024، شنت إيران هجوما آخر ضد إسرائيل في أكتوبر 2024، وأطلقت ما يقرب من 200 صاروخ باليستي ضد البلاد، اعترضت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية والأمريكية معظمها، وردت إسرائيل بغارات جوية إضافية ضد إيران في وقت لاحق من ذلك الشهر.
وجاء هجوم الأمس بعد وقت قصير من اعتماد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً —قدمته فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة— يعلن أن إيران تنتهك التزاماتها في مجال منع الانتشار النووي للمرة الأولى منذ ما يقرب من عشرين عاماً، وأشار القرار إلى نتائج "التقرير الشامل" الذي كلف به والذي قدمته الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى الدول الأعضاء في أواخر مايو، والذي يتضمن تفاصيل أنشطة إيران في مواقع نووية غير معلنة في البلاد وعدم تعاونها مع تحقيق الوكالة في تلك الأنشطة، وجاء في القرار أن التقرير "يثير أسئلة تقع ضمن اختصاص مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة"، مما يشير إلى أن إحالة مجلس الأمن، الأمر الذي يمكن أن يمهد الطريق لتفعيل آلية الخاصة بخطة العمل الشاملة المشتركة لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران والتي كانت سارية قبل ذلك الاتفاق.