من رحم القرية الهادئة نجريج، بمركز بسيون في محافظة الغربية، من قلب الدلتا في بلادنا مصر «أم الدنيا»، خرج حلمٌ، ليشق طريقه من تراب الريف المصري إلى صخب المجد الأوروبي، لم تكن بدايته سوى خطوات على ملاعب ترابية، لكن عزيمته كانت تمهد له طريقًا نحو العالمية، حيث لا مكان إلا للكبار إنه صانع المجد، لاعب كرة القدم العالمي محمد صلاح، وُلد في قرية نجريج في 15 يونيو عام 1992م، طفلًا عاديًا في ظاهر الحكاية، لكنّه كان يحمل في داخله شغفًا استثنائيًا سيقوده ذات يوم إلى قمم لا تطالها إلا القلوب المتمردة على المستحيل.
الفصل الأول للحكاية.. البذرة الأولى ولادة الحلم في قلب الريف
في شوارع قرية نجريج الهادئة، كان طفل يركض خلف كرة مهترئة، لا يعلم أن خطواته تلك ستصبح ذات يوم نقطة البداية لأسطورة رياضية، لم يكن يعرف محمد صلاح الطفل أن المسافات الطويلة التي يقطعها يوميًا للوصول إلى التدريب، وأن العرق الذي يتصبب تحت شمس الدلتا، سيصبح الوقود الذي يدفعه نحو المجد.
وكانت العائلة ركيزته الأولى، أب وأم آمنا بحلم ابنهما قبل أن يؤمن به العالم، وقدما التضحيات الصامتة التي لا تظهر في الأضواء، في بيت متواضع بقرية صغيرة، نمت أحلام كبيرة، وتشكلت شخصية فتى سيحمل اسم مصر عبر القارات.
الفصل الثاني.. خطوات على طريق الاحتراف
من المقاولون إلى بوابة أوروبا
لم يكن الطريق مفروشًا بالورود، بل كان مليئًا بالمحطات الشاقة والخيبات العابرة، بدأ صلاح رحلته الاحترافية مع نادي المقاولون العرب، حيث خطا خطواته الأولى في عالم كرة القدم المحترفة. كانت تلك المرحلة بمثابة المدرسة الأولى التي علمته أن الموهبة وحدها لا تكفي، وأن الطريق إلى القمة يتطلب عملًا شاقًا وصبرًا طويلًا.
وجاءت اللحظة الفاصلة عندما فتح نادي «بازل» السويسري أبوابه أمام الشاب المصري عام 2012م، و كانت هذه بوابة أوروبا، النقلة التي غيرت مسار حياته إلى الأبد، في «بازل» ، تعلم «صلاح» قواعد اللعبة الأوروبية، وأثبت أن الموهبة العربية قادرة على المنافسة في أعلى المستويات، ثم جاءت محطة «تشيلسي»، التي كانت بمثابة الاختبار الأصعب، هناك، في قلب لندن، واجه صلاح تحديات جديدة، وعاش فترات من الشك والتساؤل، لكن تلك التجربة، رغم صعوبتها، صقلت شخصيته وعلمته أن النجاح الحقيقي يأتي بعد التغلب على الفشل.
الفصل الثالث.. ولادة الأسطورة المصرية
قميص ليفربول وأضاء أنفيلد
نظر محمد صلاح بعيدًا منذ صغره، فامتدت خطاه من ملاعب الطين في قريته إلى أضواء الملاعب الأوروبية، حتى استقر به المطاف في معقل نادي «ليفربول» عام 2017 م، حيث صنع ملحمة مجده الكبرى، عندما ارتدى قميص «ليفربول» للمرة الأولى، لم يكن يعلم أنه على وشك كتابة تاريخ جديد، ليس فقط لنفسه، بل للنادي الإنجليزي العريق.
والموسم الأول لمحمد صلاح كان أشبه بحكاية خرافية، حطم فيها الأرقام وتجاوز التوقعات 44 هدفًا في موسم واحد، رقم لم يحققه أي لاعب في تاريخ ليفربول، فجأة، أصبح الفتى من نجريج حديث العالم، والجميع يتساءل: من هو هذا «المصري» الذي يسجل الأهداف كما لو كان يتنفس؟.
وجد صلاح البيئة المثالية لإطلاق إمكاناته الكاملة، وذلك تحت إشراف المدرب الألماني «يورجن كلوب»، صاحب الفلسفة الهجومية الجذابة، أصبح محمد صلاح ليس فقط هدافًا، بل قائدًا صامتًا يقود فريقه بأدائه قبل كلماته.
الفصل الرابع في الحكاية.. حصاد المجد
تحول الأحلام إلى ألقاب ذهبية
واليوم، لا يُذكر نادي «ليفربول» في عصره الذهبي إلا ويُذكر مد صلاح، النجم الذي لم يكتفِ بحصد البطولات، بل أعاد تعريف مفهوم النجم الرياضي، دوري أبطال أوروبا 2019م ، الدوري الإنجليزي 2020 بعد انتظار 30 عامًا، كأس العالم للأندية، كأس الاتحاد الإنجليزي، وكأس الرابطة، و كل بطولة حملت بصمة «صلاح»، وكل لقب أضاف سطرًا جديدًا إلى ملحمته.
الأرقام تتحدث عن نفسها
حصل محمد صلاح على الحذاء الذهبي لهداف الدوري الإنجليزي ثلاث مرات، كما نال لقب «لاعب العام» في إفريقيا خمس مرات، وسجل أكثر من 200 هدف مع «ليفربول» في أقل من 300 مباراة، و خلف هذه الأرقام، تكمن حكاية إنسان رفض أن تحده الظروف أو الجغرافيا.
الفصل الخامس «الوجه الآخر» .. صلاح الإنسان خلف الأضواء
وتتنافس الأرقام لتوثيق إنجازات سيد كرة القدم المصري والعالمي، و يبقى الأثر الأعمق لهذا الإنسان الصادق في رحلته، محمد صلاح في القلوب بعيدًا عن أضواء الملاعب، ويظهر الوجه الآخر له ، ليبقى في ذاكرة ووجدان أهله ومشجعيه وجميع المصريين، الإنسان الذي لم تغيره الشهرة ولم تفسده الشهرة، فيتسم ببساطته في التعامل، وتواضعه مع المعجبين، وحرصه على الحفاظ على قيمه وتقاليده، جعلته نموذجًا يحتذى به.
محمد صلاح.. صوتًا للبسطاء
وفي قرية نجريج، مسقط رأسه، وصباه بنى محمد صلاح مستشفى ومدرسة ومركزًا للشباب، ليرد الجميل للمكان الذي احتضن أحلامه الأولى، لم يكن يريد أن يكون مجرد نجم رياضي، بل أراد أن يكون صوتًا للبسطاء، ونموذجًا للشباب العربي الذي يحلم بتحقيق المستحيل.
وكمسلم في الملاعب الأوروبية، حمل «صلاح» رسالة التسامح دون خطابات منمقة أو شعارات فارغة بأخلاقه وسلوكه، كسر الصور النمطية وأثبت أن الانتماء الديني والثقافي يمكن أن يكون مصدر قوة وليس عائقًا.
الأسطورة التي لا تنتهي
محمد صلاح ليس مجرد لاعب كرة قدم، سيبقى قصة إنسانية كتبت سطورها بالإصرار والتحدي، رسم ملامحها طفل آمن بأن الحلم لا يعترف بالحدود. منذ أن ارتدى قميص ليفربول عام 2017، لم يكن فقط نجمًا على المستطيل الأخضر، بل بات رمزًا للأمل، وقدوة لأجيال تتطلع إلى أن يصبح المستحيل ممكنًا.
في كل مرة يسجل فيها هدفًا، لا يهتف الجمهور فقط، بل تحتفل قلوب الملايين التي رأت فيه بطلًا من لحمها ودمها، بطلًا جاء من هناك، من بيننا، ليؤكد أن المجد يصنعه الإيمان، وأن الإنسان يستطيع أن يسبق قدره حين يركض بكل ما فيه نحو الحلم.
واليوم، بينما يواصل محمد صلاح كتابة تاريخه، يبقى السؤال: ماذا بعد؟ الإجابة تكمن في أن الأساطير الحقيقية لا تنتهي عند نقطة معينة، وتستمر في الإلهام، جيلًا بعد جيل، لتذكر العالم أن الحلم العربي قادر على احتلال أي قمة، مهما بدت بعيدة أو مستحيلة.