الجمعة 1 اغسطس 2025

ثقافة

محمود تيمور.. رائد القصة العربية الحديثة وصوت الإنسان البسيط

  • 16-6-2025 | 13:14

الأديب محمود تيمور

طباعة
  • دعاء برعي

بزغ نجم الأديب المصري محمود تيمور في زمن تشكّل فيه الكلمة الوعي، وتبني الحكاية فيه الإنسان والمجتمع، فوضع بصمته الفارقة في عالم القصة القصيرة، وساهم في تشكيل ملامح الأدب العربي الحديث بلغته العذبة وأسلوبه السلس وما يحمله من دلالات عميقة ويطرحه من قضايا مجتمعية تتماس مع هموم الناس وتفاصيل ما يواجهونه داخل محيطهم الاجتماعي والذاتي، فكان يرى أن القصة ليست فقط وسيلة للتسلية، بل أداة لتحليل النفس والمجتمع، ومنصة لطرح الأسئلة الكبرى بطريقة قريبة من الناس، دون تكلف أو تنظير وهو الأمر الذي حقق لكتاباته حضورًا كبيرًا بين جمهور القراء.

وحمل محمود تيمور أدبه إلى العالم، فترجمت العديد من أعماله إلى الفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية، الأمر الذي جسرًا ثقافيًا بين لشرق والغرب، كما أثرت تجربته في السفر إلى أوروبا رؤيته الأدبية، وأعطت بعدًا إنسانيًا عالميًا لكتاباته.

ميلاده ونشأته

ولد محمود أحمد تيمور في 16 يونيو 1894 بحي "درب سعادة" في القاهرة، لأسرة مثقفة ذات ميول أدبية وفكرية، فوالده أحمد تيمور باشا أحد كبار المهتمين بالتراث العربي، والباحث في فنون اللغة العربية، والأدب والتاريخ، الذي ترك مكتبة "التيمورية" مرجع الباحثين إلى الآن بدار الكتب المصرية، بما تحويه من نوادر الكتب والمخطوطات، وشقيقه الأكبر محمد تيمور، أول من كتب القصة القصيرة في مصر، وعمته الشاعرة الرائدة عائشة التيمورية، لكن محمود لم يكن مجرد تابع لتراث العائلة، بل كان مبدعًا فريدًا بنكهته الخاصة.

وتعلم محمود تيمور بالمدارس المصرية الابتدائية والثانوية الملكية، والتحق بمدرسة الزراعة العليا، وبعد أن أصيب بالتيفود لزم الفراش ثلاثة أشهر، قضاها في القراءة والتأمل والتفكير، وسافر إلى الخارج للاستشفاء بسويسرا، وألزم نفسه بالقراءة والاطلاع، وهناك أتيحت له دراسة عالية في الآداب الأوربية؛ فدرس الأدب الفرنسي والأدب الروسي، بالإضافة إلى سعة اطلاعه في الأدب العربي، واتسعت قراءاته لتشمل روائع الأدب العالمي لعدد من مشاهير الكتاب العالميين، مثل: «أنطون تشيكوف»، و«إيفان تورجنيف»، و«جي دي موباسان».

وتأثر تيمور بأولى أعمال شقيقه محمد تيمور للمجموعة القصصية "ما تراه العيون" فكتب باكورته القصصية "خرشو" عام 1915، ثم دخل تيمور عالم الأدب من بوابة الألم، إذ كانت وفاة شقيقه محمد عام 1921 دافعًا له ليمسك بالقلم، ويسير على خطاه، بخطى أكثر رسوخًا، وبرع تيمور في فن القصة القصيرة، وتميز بقدرة مدهشة على التقاط تفاصيل الحياة اليومية للمصريين، خصوصًا الطبقة المتوسطة والصغرى، دون افتعال أو مبالغة.

ميوله

كان لمحمود تيمور شغف خاص بالمنفلوطي الذي غرس فيه نزعته الرومانسية، كما تأثر بعدد من الشعراء، خاصة شعراء المهجر، وعلى رأسهم "جبران خليل جبران"، الذي كان لكتابه "الأجنحة المتكسرة" بنزعته الرومانسية الرمزية تأثير خاص في وجدانه.

مكانته الأدبية

حظي محمود تيمور بحفاوة وتقدير الأدباء والنقاد، ونال اهتمام وتقدير المحافل الأدبية ونوادي الأدب والجامعات المختلفة في مصر والوطن العربي، كما اهتمت به جامعات أوروبا وأمريكا، وأقبل على أدبه الأدباء والدارسون في مصر والعالم.

ومثّل تيمور مصر في العديد من المؤتمرات الأدبية، كمؤتمر الأدباء في بيروت 1954م، ومؤتمر القلم ببيروت في 1954م، ومؤتمر الدراسات الإسلامية في جامعة بشاور بباكستان، ومؤتمر الأدباء في دمشق.

أعماله

كان الإنسان بأحلامه الصغيرة، وصراعاته مع القدر والواقع هو البطل الحقيقي في أعمال وكتابات محمود تيمور، ومن أبرز مجموعاته القصصية "نداء المجهول"، و"الشيخ جمعة"، و"كأس العذاب"، و"أبو الشوارب"، وفي كل قصة، كان تيمور يحفر في وجدان القارئ، ليكشف عن جوهر الحياة.

وكتب تيمور عن المرأة، وعن الفقر، والغربة، والقهر الإنساني، والطبقات الشعبية، والعادات والتقاليد، والإنسان في صراعه مع مجتمعه ونفسه.

ولا تزال أعمال محمود تيمور تُقرأ بشغف، وتُدرّس في الجامعات كعلامة بارزة في تاريخ الأدب العربي، وتُترجم إلى لغات عدة.

جوائزه

نال إنتاج محمود تيمور القصصي جائزة مجمع اللغة العربية بمصر 1947م، ثم عُيِّن عضوا فيه 1949م، وحصد تيمور جائزة الدولة للآداب 1950م، وجائزة "واصف غالي" بباريس 1951م، ومُنِح جائزة الدولة التقديرية في الأدب 1963م من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، كما احتفلت به جامعات روسيا والمجر وأمريكا، وكرمته في أكثر من مناسبة.

وفاته

رحل محمود تيمور عن عالمنا في 25 أغسطس 1973، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا ثريًا، ومدرسة فريدة في الكتابة القصصية.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة