تعد جائزة «نوبل»، أشهر جائزة عالمية في حقول الإبداع والخلق والابتكار المتنوعة، وعقب من الجائزة للفائزين بها يتعرف عليهم العالم أكثر و يحظون بشهرة واسعة عبر قارات العالم كله، مما يدفع بنا للبحث عن رحلتهم ومسيرتهم، وإسهاماتهم للبشرية وتنميتها وتطورها.
ومع قسم الثقافة في بوابة «دار الهلال»، نحتفي معًا بحاصدي جائزة نوبل في الآداب لنسطر بعضًا من تاريخ إبداعاتهم ورحلتهم، من عقود كثيرة منذ بداية القرن بداية القرن العشرين، منح الجائزة لأول مرة في عام 1901م في فروع الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب.
ونلتقي اليوم مع الأديب الأديب «ساراماجو»
روائي نوبل بروح الحكيم
جوزيه دي سوزا ساراماجو واحدًا من أبرز روائيي القرن العشرين، وهو الكاتب البرتغالي الوحيد الحائز على جائزة نوبل في الأدب، وُصف بأنه «روائي بلهجة الحكيم الجاهل»، فقد كانت مؤلفاته تمزج بين البساطة والعمق، والأسطورة والواقع، في لغة سردية خاصة به وحده.
نشأة متواضعة وبدايات صعبة
وُلد «ساراماجو» في قرية «أزينهاكا» البرتغالية لعائلة فلاحين، وهي تابعة ل شَنْتَرِين إحدى مدن البرتغال تقع شمال العاصمة لشبونة، انتقل «ساراماجو» إلى لشبونة في طفولته، عانى من الفقر، مما اضطره إلى ترك التعليم العام ودخول مدرسة مهنية، و عمل في شبابه ميكانيكي سيارات، ثم مترجمًا، فصحفيًا، حتى شغل منصب مساعد رئيس تحرير صحيفة بارزة، قبل أن يتفرغ بالكامل للكتابة.
الرواية.. أمثولة إنسانية
عرفت روايات «ساراماجو» بطابعها الفلسفي العميق، حيث أعاد تقديم وقائع تاريخية كأمثولات رمزية تركز على الإنسان في جوهره، وليس الحدث في ذاته، اتّخذ من الأدب منصة لتأمل الوجود والسلطة والدين والمجتمع، مما أثار جدلًا واسعًا، خاصةً من قبل المؤسسات الدينية والسياسية.
الرقابة والمنفى الأدبي لـ ساراماجو
كانت روايته «الإنجيل يرويه المسيح» محورًا لأحد أهم محطات الصدام بينه وبين السلطات، إذ رفضت الحكومة البرتغالية إدراجها ضمن الترشيحات الرسمية بسبب ما اعتُبر إساءة دينية. دفعه ذلك إلى مغادرة البلاد والاستقرار في جزيرة لانزاروت الإسبانية، حيث عاش حتى رحيله عن عالمنا.
سيرة حياة من النضال الأدبي والسياسي
كان «ساراماجو» شيوعيًا لاسلطويًا، وانضم إلى الحزب الشيوعي البرتغالي عام 1969م وظل عضوًا به حتى وفاته، وجمع بين الإبداع والموقف، ودافع عن القضايا الاجتماعية والعدالة وحرية التعبير، معارضًا مؤسسات مثل الكنيسة الكاثوليكية والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
صاحب دور ريادي ثقافي في أوروبا
وشارك في تأسيس الجبهة الوطنية للدفاع عن الثقافة في لشبونة، وساهم في إنشاء برلمان الكُتاب الأوروبي بمشاركة الروائي التركي أورهان باموك. كان من المرتقب أن يكون ضيف شرف البرلمان، لكنه توفي قبل افتتاحه.
عالمية الحضور وجدل الآراء ..مؤلفات متميزة
وصلت مؤلفات «ساراماجو» إلى قرّاء العالم، وتُرجمت إلى أكثر من 25 لغة، وبِيعت منها ملايين النسخ، أبرزها روايات: «العمى»، «لبصيرة»، «الطوف الحجري»،«الموت مع وقف التنفيذ»، «الإنجيل يرويه المسيح»، «انقطاعات الموت».
ومن مؤلفاته ورواياته الأخرى:«أكبر زهرة في العالم»، «ثورة الأرض»،«الذكريات الصغيرة»، «مسيرة الفيل»، «المنور»، «قايين»، «الآخر مثلي»، «الكهف»، «قصة الجزيرة المجهولة»، «كل الأسماء»، «تاريخ حصار لشبونة»،
«الطوف الحجري، «أرض الخطيئة ، «قصائد محتملة»، «هذا العالم والآخر»، «أمتعة المسافر»، «ربما الفرح»، «سنة 1993»، «المفكرة»، «كتاب الرسم والخط»، «حياة الأشياء»، «رحلة للبرتغال»، «آراء تخص DL»، «بالتازار وبوليميندا»، «سنة موت ريكاردو ريس»، «وداع بحجم قامة أدبية».
«Don Giovanni» or, «Dissolute Acquitted».
من التهميش إلى العالمية
لم يعرف «ساراماجو» الشهرة الحقيقية إلا في الستين من عمره، عند صدور روايته «تذكار الدير» التي حوّلت اسمه إلى علامة فارقة في الأدب العالمي، وتوالت بعد ذلك الترجمات والجوائز حتى نال جائزة نوبل للآداب عام 1998م، تقديرًا لأعماله التي «تعيد للقارئ الشعور بأنه يقرأ العالم لأول مرة».
جائزة نوبل للآداب 1998م
قامت الأكاديمية السويدية باختيار ساراماجو للحصول على جائزة نوبل للآداب 1998م، وجاء الإعلان بشكل مفاجيء له ولرئيس تحريره، لإنه كان على وشك السفر إلى ألمانيا لحضور معرض فرانكفورت للكتاب، أشادت لجنة نوبل «بالأمُثولات والحكايا الرمزية التي تفرضها مخيلته، بالإضافة للتعاطف والسخرية في أعماله»، بالإضافة لإتباعه «الأسلوب التشكيكي الحديث» فيما يتعلق بالحقائق الرسمية.
وصف العالم الإنجليزي هارولد بلوم الأديب «ساراماجو» بأنه «أعظم الروائيين الموجودين على قيد الحياة» واعتبره «جزء مهم ومؤثر في تشكيل أساسيات الثقافة الغربية المرجعية الأدبية الغربية»، بينما أشاد جميس وود «باللهجة الفريدة في أعماله حيث أنه يروي رواياته كما لو أنه شخص حكيم وجاهل في الوقت نفسه».
الجوائز والأوسمة أخرى
منح ساراماجو العديد من الجوائز و منها جائزة كاميوس 1995م، وهي جائزة ألبير كامو الأدبية وتُمنح تكريمًا للفيلسوف والكاتب الفرنسي-الجزائري ألبير كامو
جائزة أمريكا 2004، جائزة ساو باولو للآداب 2009 م، وكان في القائمة المختصرة لفئة أفضل كتاب في السنة عن رواية مسيرة الفيل A Viagem do Elefante.
رحل الحكيم والروائي العالمي «ساراماجو» عن عالمنا في 18 يونيو 2010 عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد صراع مع اللوكيميا والتهاب رئوي،و أُعلنت حالة الحداد في البرتغال، وشارك أكثر من 20 ألف شخص في جنازته، فيما غاب رئيس الجمهورية آنذاك، و دُفن رماده تحت شجرة زيتون معمّرة أمام مقر مؤسسته الأدبية.
إرث أدبي متفرد لا يزول
أصدر بعد وفاته كتابه «دفتر سنة نوبل» عام 2018م، حيث دوّن يوميات ما بعد فوزه بالجائزة، واحتفظت بها زوجته ومترجمته الإسبانية «بيلار ديل ريو»، وُصف بأنه «أعظم كاتب برتغالي في جيله»، وترك خلفه ميراثًا من الروايات التي أعادت تعريف حدود الأدب، وأحلام البشر، وأسئلتهم الكبرى.
مؤسسة «جوزيه ساراماجو»
أسس جوزيه ساراماجو في يونيو 2007، مؤسسة باسمه، وذلك بهدف حماية ونشر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتعزيز الثقافة في البرتغال مثل الدول الأخرى، وأيضًا حماية البيئة، و تقع مؤسسة ساراماغو في المبنى التاريخي Casa dos Bicos في مدينة لشبونة.