الأربعاء 25 يونيو 2025

تحقيقات

إيران بعد الضربة الأمريكية.. بين شبح التصعيد وكلفة التراجع

  • 22-6-2025 | 15:20

ضرب منشآت طهران النووية

طباعة
  • محمود غانم

بضربها منشآت إيران النووية، وضعت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في مواجهة مباشرة مع طهران، انسياقًا وراء الرغبة الإسرائيلية، في خطوة كانت تدرك نتائجها مسبقًا، فبمنظور إيران، أصبحت المصالح الأمريكية في المنطقة هدفًا مشروعًا للرد على العدوان الذي تعرضت له، رغم كافة ما قدمته من بوادر إيجابية تجاه صياغة اتفاق بشأن برنامجها النووي.

هجوم أمريكي

وفجر اليوم الأحد، نفذت الطائرات الحربية الأمريكية هجومًا وصفتْه بأنه "ناجح للغاية" ضد ثلاث منشآت نووية إيرانية، هي موقع فوردو ونطنز وأصفهان، بعد أن عجزت إسرائيل عن تدميرها نظرًا لأنها محصنة تحت الأرض.

وجاء الهجوم الأمريكي على الرغم من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد أمهل طهران، نهاية الأسبوع الماضي، أسبوعين قبل حدوث تدخل عسكري ضدها، حيث كان يزعم أنه يريد استكمال المفاوضات النووية بشأن البرنامج النووي الإيراني، التي عطلها العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي الإيرانية منذ الجمعة الماضية.

وعقب الهجوم مباشرة، توعّد الرئيس الأمريكي طهران بأنه إذا لم يتحقق السلام بسرعة فسيجري استهداف مواقع أخرى في إيران.

لكن لسان حال طهران يتساءل: عن أي سلام يتحدث ترامب؟ لقد هاجمتمونا أثناء ما كنا نتفاوض معكم، هي لغة حرب لا سلم.

ووصف مجرم الحرب المُدان لدى المحكمة الجنائية الدولية، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الهجوم الأمريكي بأنه "جبار وتاريخي"، زاعمًا أن بهذا الشكل تقود الولايات المتحدة "الشرق الأوسط، وما بعده نحو مستقبل من الرخاء والسلام".

وفي غضون ذلك، قال الدكتور أيمن سلامة، خبير القانون الدولي وحفظ السلام، إن الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية يمثل نقطة تحول محتملة في ديناميكية الصراع الإقليمي، ويطرح تحديات كبيرة أمام جميع الأطراف المعنية.

وفي قراءته لمستقبل البرنامج النووي الإيراني في أعقاب الضربة، تساءل الدكتور سلامة، في حديث لـ"دار الهلال": "هل كانت الضربات الأمريكية فعالة؟ وهل حققت الأهداف المرجوة بتعطيل برنامج إيران النووي؟"، مجيبًا أن "الفيصل سيكون في تقارير الاستطلاع الإسرائيلي، وصور الأقمار الصناعية، التي ستوفر تقييمًا حاسمًا لحجم الأضرار، وما إذا كانت هناك ضرورة لتوجيه ضربات متابعة".

وفيما يتعلق بمخزون إيران من اليورانيوم المخصب، أشار سلامة إلى أن الإجابة لا تزال مفتوحة حول كيفية تعامل الولايات المتحدة وإسرائيل معه، وهل ستكون الاستجابة عسكرية، أم سرية، أم دبلوماسية، أم مزيجًا من ذلك.

وبخصوص رد الفعل الإيراني المحتمل، أكد خبير القانون الدولي أن طهران تواجه تحديًا حقيقيًا، خصوصًا بعد تهديداتها السابقة بالانتقام من أي هجوم أمريكي، وتساءل: هل ستختار القيادة الإيرانية ضبط النفس، أم سيكون ردها رمزيًا أو جوهريًا؟

وشدد على أن طهران قد تلجأ لاستهداف القوات أو المصالح الأمريكية، أو مواصلة استهداف إسرائيل، أو توسيع نطاق الرد إلى دول ثالثة من خلال الإرهاب أو احتجاز الرهائن.

وحول الموقف الإسرائيلي، قال سلامة إن تل أبيب قد تستغل التدخل الأمريكي كفرصة لتعليق عملياتها الهجومية في إيران، انتظارًا لردّ طهران.

وتساءل: "وفي حال استمرار إيران في هجماتها الصاروخية، هل توسّع إسرائيل عملياتها لتشمل أهدافًا داخل النظام الإيراني؟"

ولم يستبعد سلامة أن يربط الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بين تدخل واشنطن ضد إيران وطلب إنهاء الحرب الإسرائيلية في غزة مقابل إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين.

وشدد الدكتور أيمن سلامة على أهمية الحسابات الداخلية في إيران بعد هذا الهجوم الأمريكي المباغت، الذي لم تمتلك طهران قدرة دفاعية حقيقية ضده، متسائلًا: "هل سيؤدي ذلك إلى توترات داخل النظام الإيراني؟ وهل يمكن أن يثير هذا الهجوم اضطرابات سياسية داخلية، حتى دون تحريض خارجي؟".

وأكد أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في كشف تداعيات هذا العمل الأمريكي على الشراكة مع إسرائيل، وعلى مواقف الدول العربية، وموازين العلاقات مع روسيا والصين.

هل سترد طهران؟

وأكدت طهران أنها تحتفظ بجميع الخيارات أمام الهجوم الأمريكي للدفاع عن سيادتها ومصالحها وشعبها، وذلك استنادًا إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي يضمن حق الدفاع المشروع.

ومرارًا، حذرت طهران من أن أي انخراط أمريكي في المواجهة سيُقابل باستهداف المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، بما في ذلك القواعد العسكرية، التي ليست في معزل عن صواريخها المدمرة.

غير أن الدكتور محمد عبادي، خبير الشأن الإيراني، يؤكد أن طهران تعلم جيدًا حدود القدرة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، ما يجعلها تتخذ وضعًا دفاعيًا، رغم أنها هاجمت منشآت داخل إسرائيل، لكنها تظل في وضع دفاعي.

وأشار "عبادي" في حديثه لـ"دار الهلال"، إلى أن طهران استقبلت خبر ضرب منشآتها النووية بالتقليل من هذا الأمر، حيث أعلنت عن نقل اليورانيوم المخصب قبل هذه الضربة، وهذا يوحي بأنها لا تريد الدخول في اشتباك واسع أو حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة.

وفي غضون ذلك، أوضح أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، دخلا هذه الحرب لهدفين معلنين، هما ضرب منشآت طهران النووية، وتدمير البرنامج الصاروخي، في حين أن هناك هدفًا خفيًا، يتمثل في إسقاط النظام.

ولذا، فإن إيران ترى –بحسب عبادي– أنه ما دام لم يُسقط النظام بالكلية، ولم يتم اغتيال المرشد علي خامنئي، فإنه يمكن التغاضي أو التماشي مرحليًا مع ما جرى.

ولفت إلى أن طهران تتحسس مخاطر عالية في الداخل الإيراني، سواء مع القوميات أو الأوضاع الاقتصادية.

كما أشار إلى أن طهران، قبل أن تدخل في اشتباك مفتوح، لا بد أن تتشاور مع حلفائها مثل روسيا والصين، وهذا ما عبّر عنه حديث وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، بأنه سيتوجه إلى موسكو في الوقت القادم.

ماذا عن تهديد إيران بضرب المصالح الأمريكية في المنطقة؟

وبشأن تهديد إيران بضرب المصالح الأمريكية في المنطقة، بما فيها القواعد العسكرية، أكد الدكتور محمد عبادي أن هذا يأتي في سياق إجراءات ردعية فقط لا أكثر، تستهدف التقليل من حجم تدخل الولايات المتحدة أو منع تدخلها.

غير أنه في ذات الوقت لا يستبعد حدوث ضربة إيرانية للقواعد الأمريكية، لكنه يشير إلى أنها ستأتي في نطاق ما أسماه "حفظ ماء الوجه".

مشيرًا إلى أن طهران تعلم أنها إن أقدمت على خطوة كتلك، فسيجعلها ذلك في عداء مع دول الإقليم، وهي لا تريد أن تخسر تعاطفهم معها.

وفيما يتعلق بغلق مضيق هرمز، أوضح أن إيران تعلم أن خطوة كهذه ستجعلها دولة مارقة، وهي لا تريد أن يُنظر لها العالم بهذا الشكل.

وشدد على أنه لا يمكن الحكم بمدى استمرارية حرب طهران الدائرة مع إسرائيل، إلا بعد نهاية اليوم، حيث إنه من المبكر أن نحكم على الوجه النهائي لهذه الحرب.

الاكثر قراءة