الجمعة 27 يونيو 2025

مقالات

استعادة الدولة الوطنية.. استعادة للثقافة

  • 24-6-2025 | 12:55
طباعة

عندما هبت رياح ٢٥ يناير ٢٠١١ استطاعت التيارات المتطرفة أن تجد طريقها إلى قلبها وأخذت تعمل على تغيير اتجاهها وتسخرها لتحقيق مخططاتها وأطلت رؤوس مارست الإرهاب والقتل في مصر خلال سنوات عديدة، وبدأت في إعادة إنتاج أفكارها وتجديد مخططاتها التي حاولت سابقا بالإرهاب والقتل والسرقة والحرق تنفيذها.

لقد حاولت تلك الجماعات المنقسمة على نفسها، المتطرفة فكريا وعقديا، كسب ود الشعب المصري؛ فلم تظهر تمايزا عن المصريين بشعارات خاصة بها؛ وانضوت قبل تنحي مبارك تحت الشعارات التي رفعها المصريون "عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية" و "ارحل" و "الشعب يريد إسقاط النظام" كما رفعت تلك الجماعات بعض الشعارات مثل "الشرعية الشعبية" و "العدالة والمساواة".

كان واضحا بعد تنحي مبارك في 11 فبراير 2011 أن السيطرة على الميادين ومظاهرات كل جمعة ومنصات الخطابة انتقلت إلى الجماعات المتطرفة ورغم محاولتها تغليف خطابها بالوطنية ووحدة الصف والعمل من أجل مصر فإن مكتب الارشاد ومقرات إدارة الجماعات المتحالفة مع الاخوان كانت تضع الخطط التفصيلية للسيطرة على مفاصل الدولة المصرية في كل ربوعها وكان خوفهم الأكبر من الجيش المصري فقد كانوا يرون فيه خطرا داهما على مشروعهم للاستيلاء على مصر لذا رأينا خطابهم إعلاميا مختلفا تجاه القوات المسلحة المصرية فيه كثير من الود وقليل من التلويح بسيطرتهم على الشارع المصري.

وبدا للعديد من عقلاء الأمة أن مشروع "الدولة الوطنية" و"قيم المواطنة" والاعتدال وثقافة التسامح والمحبة والتعايش في مصر أصبحت على المحك بعد أن أصبحت 25 يناير مطية لأصحاب الأفكار الظلامية وحلفائهم للوصول إلى حكم مصر، ما ذلك إلا مقدمة لحقبة مظلمة قادمة للشعب المصري الذي جاهد سنوات طويلة من أجل المحافظة على ثوابت الدولة الوطنية التي ترسخت أركانها منذ القرن التاسع عشر، وأن جهودا فكرية وسياسية ضخمة بذلتها عقول مصرية لتكريس مفهوم الدولة الوطنية في نفوس المصريين والوقوف أمام كل محاولات الطامعين في بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد كل ذلك أصبح في مهب الريح، وأن كثيرا من الإنجازات والعمل للحفاظ على تماسك وقوة المجتمع المصري بكل عناصره وتفرده على وشك مواجهة العقول المتجمدة الذين ارتفعت أصواتهم وتصدروا المشهد محاولين ملء الفراغ في مؤسسات الدولة المصرية بعد 25 يناير.

كان مما أخاف عقلاء الأمة أيضا مصير إنجازات مصر الثقافية ومؤسسات العمل الثقافي وحرية الإبداع والفكر المصري الذي خطا خطوات كبيرة طوال عصور متراكمة من الجهد المتراكب، وحققت فيه مصر إنجازات كبيرة في كل مجالات الابداع؛ التأليف والمسرح والسينما والفنون التشكيلية والغناء والموسيقي والأوبرا والفنون الشعبية والقصة والرواية والشعر ..... إلى آخره... في كل ما يتعلق بمجالات الثقافة والفنون مما أحدث تأثيرا وأثرا كبيرا على الشخصية المصرية في كل مجالات حياتها، ولم يكن هذا التأثير قاصرا على ما بداخل حدود مصر الجغرافية، بل تعداها إلى الإقليم المجاور، بل ولحدود أبعد من ذلك، بل وأصبح هذا الابداع ملهما لكثيرين في أصقاع بعيدة بآلاف الأميال عن أرض مصر.

أصبح كل ذلك على حافة الهاوية، بعد تصدر الجماعات المتطرفة المشهد، وهي ترى في الثقافة والإبداع خصما وعدوا ولا تفهم منهج العمل الثقافي ولا الأطر الحاكمة لحركته وبدا للجميع أن صداما كبيرا قادما لا محالة واستدعت الأذهان ما فعلته طالبان بآثار أفغانستان والفتاوى المتعددة والكثيرة والصادرة عن تلك الجماعات ضد الثقافة والإبداع وتكفيرهم لمثقفين وإهدارهم لدمائهم، مما دفع أتباع لهم إلى القيام باغتيال كتاب كبار أمثال فرج فودة ومحاولة قتل البعض مثلما حدث مع أديبنا الكبير نجيب محفوظ تداعى لدى المهمومين بعقل الأمة وثقافتها الكثير والكثير من نتاج الفكر المتطرف الذي أصبح في مراكز القرار، بعد 25 يناير، بل واخترقوا أعدادا ليست بالقليلة من مؤسسات الدولة في طول مصر وعرضها وامتلكوا القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإعلامية، بل وقدموا أنفسهم للجميع بأنهم الحكام الجدد لمصر وأن التحالف معهم مصدرا للقوة والنفوذ، بل والثروة، وقد أخاف ذلك كثيرين، بل إن بعض عناصر المجتمع المصري صارت تفكر في البحث عن طرق تعايش بعيدا عن تلك الجماعات إذا ما وصلت لحكم مصر، ورأينا منابر تتحدث عن مسيحيى مصر تحت حكم الإخوان وأهل النوبة وسيناء وصحراء مصر الغربية وكأنها لن تكون جزءا من الأمة المصرية إذا تسلطت الجماعات المتشددة على حكم مصر.

ومع إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة المصرية، في يونيو 2012 ، تحولت مخاوف المصريين إلى أمر واقع؛ فقد وصل مرشح جماعة الإخوان وحلفائها التكفيريين، إلى كرسي رئاسة مصر بعد تهديد ووعيد بحرق مصر، وزاد التحرش بالثقافة المصرية ومؤسساتها، ورغم أن محمد مرسي أبقى على د. محمد صابر عرب وزيرا للثقافة، الذي لم يسير في ركب المشروع الإخواني من إعادة هيكلة وزارة الثقافة وتغيير خططها وإعادة صياغة دورها ونشاطها، لذا سرعان ما جاء مرسي بأحد رجالات الإخوان لمقعد وزير الثقافة الذي أعلن قبل أن يصل إلى مكتبه خطط الإخوان تجاه الثقافة المصرية وهى في مجملها تسير في طريق محو تاريخ سبعة آلاف عام من الفكر والثقافة وإحلال أفكار ورؤى هشة لجماعة لا يزيد عمرها عن بضعة عقود من الزمن.

قبل أن يدخل الوزير الإخواني مكتبه، أقال قيادات ثقافية ووضع خطط تقليص ميزانيات دار الاوبرا والمسرح والباليه والموسيقى والسينما وسمح بنشر كتب الإخوان وإقامة فاعلياتهم في مواقع وزارة الثقافة وجاء برجال الإخوان إلى قطاعات وزارة الثقافة المختلفة ووجدنا كثيرا ممن يعملون بمؤسسات الوزارة الثقافة من رجال الإخوان علا صوتهم وساندوا ما يجرى داخل وزارة الثقافة.

كانت خطوات الوزير الإخواني بمثابة الشرارة التي أشعلت النيران، فهب كبار المثقفين والأدباء والفنانين لحماية وزارة الثقافة وجري الاعتصام بداخل الوزارة ومنع الوزير الإخواني من دخول مكتبه، وكان ذلك بمثابة الإعلان عن بدء الثورة على حكم الاخوان لمصر، التي استطاعت التخلص من حكم الجماعة والمرشد والحلفاء في 30 يونيو 2013 بعد أن انحازت القوات المسلحة إلى جانب الشعب وحافظت على قيم ومبادئ وأركان الدولة الوطنية ضد الجماعات المتطرفة استدعت النزعات الجهادية وعقلية القتال و كشفوا عن جهازهم  العسكري ‏السري الذي كان مكلفا بمهام إرهابية في مناطق متفرقة من أرض مصر وبخاصة في القاهرة وسيناء.

لم تكن 30 يونيو 2013 إلا ثورة غاضبة من الشعب المصري وقواته المسلحة لاستعادة الدولة الوطنية في مصر واستعادة ثقافتها بطبيعتها المتميزة الحاملة لروح المصري صاحب حضارة ضاربة جذورها في أعماق التاريخ، بعد أن اختطفتها لمدة سنة كاملة الجماعات الإرهابية والتي كانت تخطط لحكم مصر لمدة 500 سنة كما قالوا.

كانت خطوات الوزير الإخواني بمثابة الشرارة التي أشعلت النيران، فهب كبار المثقفين والأدباء والفنانين لحماية وزارة الثقافة وجري الاعتصام بداخل الوزارة.

لم تكن 30 يونيو إلا ثورة غاضبة من الشعب المصري وقواته المسلحة لاستعادة الدولة الوطنية في مصر واستعادة ثقافتها بطبيعتها المتميزة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة