وسط تصاعد هجمات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) وتصاعد الاضطرابات الجيوسياسية عالمياً، تعالت الدعوات في كل من ألمانيا وإيطاليا للمطالبة باستعادة سبائك الذهب المودعة في نيويورك، ولاسيما أن البلدين تحتلان ثاني وثالث أكبر دول العالم احتفاظاً باحتياطيات ذهبية تصل إلى 3363 طناً و2452 طناً على التوالي، بقيمة إجمالية تقترب من ربع تريليون دولار.
وتقول صحيفة "فاينانشيال تايمز"، في تحليل مفصل مدعوم بإحصاءات ورسوم بيانية، إن كلتا الدولتين تعتمدان بشدة على "بنك نيويورك الاحتياطي الفيدرالي" في مانهاتن، كحارس وراع لأرصدتها الذهبية، إذ تخزن كل منهما أكثر من ثلث سبائكهما الذهبية في الولايات المتحدة.. وتشير تقديرات الصحيفة إلى أن الذهب المخزن لكل من ألمانيا وإيطاليا في الولايات المتحدة تصل قيمته السوقية الإجمالية إلى أكثر من 245 مليار دولار.
وتشير الصحيفة إلى أن أسلوب ترامب المتقلب لصناعة القرار واضطراب الأوضاع الجيوسياسية في العالم تسببا في إثارة موجات من الجدل الشعبي حول قضية السبائك الذهبية في أجزاء من القارة الأوروبية.
من جانبه، أرسل "اتحاد دافعي الضرائب في أوروبا" خطابات إلى وزراء المالية محافظي البنك المركزي في كل من ألمانيا وإيطاليا، يحث فيها صناع القرار في البلدين على إعادة النظر في اعتمادهم على مجلس الاحتياطي في رعاية السبائك الذهبية لكلا الدولتين.
وصرح رئيس "اتحاد دافعي الضرائب في أوروبا"، ميشيل جاجر، لـ"فاينانشيال تايمز"، بأن "الإجابة على هذا التساؤل تكشف عن نفسها، إذ أن المخاطر الجيوسياسية جعلت العالم أكثر انعداماً للأمن."
وقبيل رحلة رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، إلى واشنطن في أبريل الماضي، كتب المعلق الاقتصادي الإيطالي الشهير إنريكو جرازياني في صحيفة "إل فاتو كويتيديانو" ( التي تعني "الحقيقة اليومية" باللغة الإيطالية)، مقالاً قال فيه: "إن ترك إيطاليا لـ 43% من احتياطياتها الذهبية في أمريكا تحت إدارة ترامب غير الموثوق فيها، لهو أمر خطير للغاية على الأمن القومي."
وكشف مسح أجراه أكثر 70 بنكاً مركزياً عالمياً هذا الأسبوع أن الكثير منها يفكر في تخزين احتياطياته الذهبية بالداخل وسط مخاوف بشأن قدرتها على الوصول إلي سبائكها الذهبية في حال حدوث كارثة.
وظل اعتماد البنوك المركزية الأوروبية على مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كراع للذهب مثاراً للخلاف لمدة طويلة داخل القارة الأوروبية.. فقد راكمت دول أوروبا الغربية احتياطيات ذهبية ضخمة أثناء الطفرة الاقتصادية التي عرفها العالم في العقدين التاليين للحرب العالمية الثانية، حين كانت تتمتع بفوائض تجارية هائلة مع الولايات المتحدة.
وحتى عام 1971، كان مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي ملتزماً بتحويل الدولار إلى ذهب وفق نظام "اتفاقات بريتون وودز" لسعر الصرف الثابت.. وكان تخزين المعدن الثمين عبر الأطلنطي يُنظر إليه باعتباره تحوطاً ضد احتمالات اندلاع حرب مع الاتحاد السوفييتي.
ومع ذلك، قامت فرنسا في منتصف الستينيات من القرن الماضي، بجلب معظم احتياطياتها الذهبية إلى باريس، بعدما فقد الرئيس الفرنسي شارل ديجول ثقته في "نظام بريتون وودز".
وفي ألمانيا، ساهمت حركة شعبية حملت شعار "استعيدوا ذهبنا" وانطلقت منذ عام 2010 في تغيير سياسة "البنك المركزي الألماني" (بوندسبنك)، الذي قرر في عام 2013 تخزين 50 % من احتياطياته الذهبية داخل ألمانيا، وقام بجلب 674 طناً من السبائك الذهبية من باريس ونيويورك إلى مقراته في فرانكفورت وسط تدابير أمنية مشددة كلفت 7 ملايين يورو.. وفي الوقت الراهن لا يزال 37 % من الاحتياطيات الذهبية للمركزي الألماني مخزنة في نيويورك.
ويعلق خبير المعادن الثمينة، بيتر بويهرينجر، الذي قاد الحملة الشعبية الأصلية وهو عضو برلماني حالياً عن الحزب اليميني "البديل من أجل ألمانيا"، قائلاً "عندما بدأنا... اتُهمنا بأننا نروج لنظريات المؤامرة".
وبالنسبة لبويهرينجر فإن الفكرة الأساسية لإعادة الذهب إلى البلاد مجدداً لا ترتبط بالإدارة الأمريكية الراهنة.. وقال"إن الذهب يعد ملاذا أخيراً بالنسبة للبنوك المركزية، وبالتالي فإنها بحاجة إلى أن يُخزن دون التعرض لمخاطر أي طرف ثالث"، مضيفاً أنه في أثناء أوقات الأزمات الخطيرة "فإن المسألة لا تتعلق فحسب بالملكية القانونية للذهب، لكن أيضاً بالسيطرة المادية عليه، وهذا ما يعينيا."
وفي عام 2019، مارس حزب ميلوني اليميني المتشدد "إخوان إيطاليا" ضغوطاً كبيرة لاستعادة احتياطيات البلاد الذهبية.. غير أن ميلوني منذ توليها رئاسة الوزراء في أواخر عام 2022، ظلت صامتة حيال تلك القضية، نظراً لأنها ترغب في الحفاظ على علاقات ودية مع ترامب من أجل تجنب تهديدات تصاعد حدة الحرب التجارية.
ويرى عضو البرلمان عن حزب "إخوان إيطاليا"، فابيو رامبيللي، أن موقف الحزب الراهن كان ينظر إلى "الموقع الجغرافي" للذهب الإيطالي على أنه أمر ذو "أهمية نسبية"، نظراً لأنه كان في رعاية "صديق وحليف تاريخي."