لم تكن ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ في مصر مجرد حدث سياسي، بل كانت نقطة تحول مهمة على المستويين السياسي والاقتصادي، فقد سبقتها فترة من الفوضى السياسية والاقتصادية التي تركت أثرًا عميقًا على الاقتصاد الوطني ومستوى معيشة المواطنين. كانت تلك الفترة مليئة بالتحديات الاقتصادية الحادة، منها توقف قطاعات إنتاجية، تراجع الاستثمارات، ارتفاع معدلات البطالة، ونقص الخدمات الأساسية.
مع انطلاق الثورة، بدأت مصر مسارًا جديدًا لإعادة بناء اقتصادها، يتسم بالإصلاحات الهيكلية، وتحسين المناخ الاستثماري، وتنفيذ مشروعات قومية ضخمة تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة. يركز هذا المقال على الجانب الاقتصادي للثورة، ويستعرض التحولات التي حدثت منذ ٣٠ يونيو وحتى الآن، بالإضافة إلى التحديات والفرص المستقبلية.
الوضع الاقتصادي قبل ثورة 30 يونيو
عانى الاقتصاد المصري من مجموعة من التحديات والاختلالات الهيكلية، ومن أهمها:
1. تراجع النمو الاقتصادي: تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ بسبب الاضطرابات السياسية، حيث لم يتجاوز معدل النمو 2 بالمائة سنويًا خلال الفترة (2011 – 2013)، مقابل معدلات أعلى قبل الثورة الأولى في 2011.
2. تراجع الاستثمارات الأجنبية والمحلية: أدى الخوف من عدم الاستقرار السياسي إلى انسحاب كثير من المستثمرين وتأجيل مشاريع كبرى.
3. تراجع السياحة: كانت السياحة تشكل حوالي 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وتوفر ملايين الوظائف، لكنها تراجعت بشدة بسبب الأحداث الأمنية.
4. ارتفاع معدلات البطالة: خاصة بين الشباب، حيث تجاوزت أرقام البطالة 13 بالمائة، مع تفاوت بين القطاعات والفئات العمرية.
5. أزمات في الخدمات الأساسية: من انقطاع الكهرباء إلى نقص الوقود، ما أثر على الإنتاج ورفع تكلفة الإنتاج الصناعي.
6. ارتفاع عجز الموازنة العامة: بسبب زيادة الإنفاق العام نتيجة المطالب الفئوية، وانخفاض الإيرادات العامة بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي.
ثورة 30 يونيو: نقطة تحول
كانت ثورة 30 يونيو بمثابة انفراجة سياسية سمحت للدولة باستعادة السيطرة على الوضع الأمني والسياسي، وهو شرط أساسي لاستعادة النشاط الاقتصادي. فقد عادت المؤسسات الرسمية للعمل بشكل منتظم، مما أعاد الثقة لدى المستثمرين، وبدأت الحكومة في التركيز على قضايا الاقتصاد والتنمية في خططها. كما تحسنت البيئة الأمنية، مما ساعد على عودة السياحة وتدفق الاستثمارات الأجنبية. وقد مهد هذا التحول الأمني والسياسي الطريق للانطلاق بإصلاحات اقتصادية جوهرية.
الإصلاحات الاقتصادية بعد 30 يونيو
في نوفمبر 2016، توصلت الحكومة المصرية إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في إطار تسهيل الصندوق الممدد مدته 3 سنوات (11 نوفمبر 2016 – 10 نوفمبر 2019)، بتمويل يصل إلى 12 مليار دولار. وبموجب هذا الاتفاق كانت هناك بعض الإصلاحات المهمة، منها:
1. تحرير سعر الصرف: في 3 نوفمبر 2016 مقابل العملات الأجنبية، وقد أدى ذلك في البداية إلى تقلبات حادة في سعر الصرف وارتفاع كبير في معدلات التضخم (وصل معدل التضخم إلى 33 بالمائة في يوليو 2017)، لكنه كان ضروريًا لتصحيح اختلالات السوق وتحسين تنافسية الصادرات. وعلى الرغم من زيادة فاتورة الواردات، ساهم في زيادة الاحتياطيات من النقد الأجنبي وتحسين ميزان المدفوعات.
2. تحرير أسعار الطاقة: بدأت الحكومة برنامجًا لخفض الدعم وتحرير أسعار الطاقة تدريجيًا في يوليو 2014، بهدف تقليل العجز في الموازنة العامة للدولة وتحسين كفاءة الطاقة. وقد ساعد ذلك في تخفيف العبء على الموازنة العامة، لكنه أسهم في رفع تكلفة الإنتاج وتأجيج معدلات التضخم.
3. إصلاح الدعم وبرامج الحماية الاجتماعية: عمل الإصلاح الاقتصادي على توجيه الدعم إلى مستحقيه من الفئات الأكثر احتياجًا عبر برامج مثل "تكافل وكرامة"، بالإضافة إلى دعم الغذاء والسلع الأساسية لضمان عدم تأثر الشرائح الفقيرة بشكل كبير.
4. تشجيع الاستثمارات والمشروعات القومية: أطلقت الحكومة عدة مشروعات ضخمة منها مشروع قناة السويس الجديدة الذي ساعد في جذب الاستثمار وتنشيط حركة الملاحة، وتطوير البنية التحتية مثل الطرق والكهرباء والمدن الصناعية الجديدة، كما تم إطلاق مبادرات لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال.
5. التحول الرقمي والاقتصاد المعرفي: اتجهت الدولة نحو تنمية التكنولوجيا الرقمية لتطوير الاقتصاد، من خلال رقمنة الخدمات الحكومية وتشجيع الابتكار في مجالات مثل التمويل الرقمي والتجارة الإلكترونية.
نتائج التحول الاقتصادي بعد 30 يونيو
بعد خمس سنوات من إطلاق الإصلاحات، شهد الاقتصاد المصري عدة تحسينات مهمة مثل:
1. ارتفاع معدل النمو الاقتصادي: وصل النمو الاقتصادي إلى أكثر من 5 بالمائة سنويًا في عدة سنوات، مع توقعات بتحقيق معدلات أعلى.
2. تحسن وضع المالية العامة: تراجع عجز الموازنة العامة للدولة إلى مستويات أكثر استدامة.
3. زيادة الاحتياطيات الأجنبية: مما عزز القدرة على مواجهة الصدمات الخارجية.
4. انخفاض معدلات البطالة: رغم أنها لا تزال تمثل تحديًا، فقد انخفضت البطالة إلى أقل من 10 بالمائة مع تحسن فرص عمل الشباب.
5. عودة السياحة حيث بدأت في التعافي تدريجيًا مما وفر دخولًا نقديًا مهمًا وفرص عمل.
التحديات الاقتصادية المستمرة
رغم هذه النجاحات، تواجه مصر تحديات اقتصادية كبيرة من أهمها:
1. التضخم المرتفع: لا تزال معدلات التضخم مرتفعة نسبيًا، مما أثر سلبًا على القدرة الشرائية للأفراد. وقد ساهم التضخم المستورد (ارتفاع الأسعار العالمية وانخفاض قيمة العملة المحلية) في زيادة معدلات التضخم المحلية بشكل كبير خلال فترة الإصلاحات.
2. التوزيع غير العادل للثروة: ما زالت هناك فجوات كبيرة بين الفئات الاجتماعية.
3. البطالة بين الشباب: تبقى بطالة الشباب – التي وصلت إلى حوالي 30 بالمائة في الفئات العمرية أقل من 30 عامًا – تحديًا رئيسيًا، مع ضرورة خلق فرص عمل جديدة.
4. الاعتماد الكبير على الاستثمارات الحكومية مع تراجع دور القطاع الخاص: تحتاج مصر إلى تحفيز أكبر للقطاع الخاص وجعله قائدًا لقاطرة التنمية.
5. الحاجة إلى تطوير التعليم والصحة: من أجل تنمية بشرية مستدامة وبناء رأس مال بشري قادر على مواجهة التحديات.
آفاق التنمية المستقبلية لضمان استمرار مسيرة التنمية الاقتصادية، تحتاج مصر إلى:
1. تعزيز سياسات الشمول المالي والاجتماعي لضمان استفادة جميع الفئات من النمو.
2. دعم التعليم الفني والتدريب المهني لتمكين الشباب من سوق العمل.
3. تطوير البنية التحتية الرقمية وتوسيع نطاق الاقتصاد الرقمي.
4. تحسين مناخ الأعمال لجذب المزيد من الاستثمارات الخاصة.
5. تنويع مصادر الدخل القومي بعيدًا عن المصادر التقليدية والأكثر عرضة للتقلبات.
خاتمة
لم تكن ثورة 30 يونيو مجرد تغيير سياسي، بل كانت نقطة انطلاق حقيقية لمرحلة جديدة في تاريخ مصر الاقتصادي. من حالة الفوضى والاضطراب التي شهدتها البلاد، تحولت مصر نحو مسار تنموي يعكس إرادة الإصلاح والاستقرار. شكلت الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، والمشروعات القومية، والتحول الرقمي الركائز الأساسية لهذا التحول. ورغم التحديات التي لا تزال قائمة، فإن المسار الذي اختارته مصر يعكس التزامها بتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة تلبي تطلعات شعبها.
ثورة 30 يونيو كانت بمثابة انفراجة سياسية سمحت للدولة باستعادة السيطرة على الوضع الأمني والسياسي، وهو شرط أساسي لاستعادة النشاط الاقتصادي
ثورة يونيو لم تكن مجرد تغيير سياسي، بل كانت نقطة انطلاق حقيقية لمرحلة جديدة في تاريخ مصر الاقتصادي، من حالة الفوضى والاضطراب التي شهدتها البلاد