أذكر هذا اليوم جيدًا، أتذكر مشاهده التي بقيت إلى اليوم محفورة بالذاكرة، يوم راقبت فيه الحشود الكبيرة التي خرجت لإنقاذ هذا البلد الطيب وأهله، نعم خرجنا جميعًا من أجل مصرنا الحبيبة، كنا نرى بعين بصيرتنا ما سوف يحدث، أدركناه بوعينا الصارخ وبحسنا الوطني الجارف، اطلعنا على ما تمت حياكته من مكائد تم نسجها بأيدي هؤلاء الذين أرادوا الشر لمصر.
ستبقى مصر حالة شديدة الندرة، عبقرية لا تتكرر، سيظل أهلها حماة لها، ينتزعوا بأيديهم وأسنانهم كل شوكة غرست بجسدها الطاهر، يخرجون مهما هددتهم المخاطر وهيأ لهم البعض بأنه القوي المنتصر، عد معي إلى هذا اليوم، احمل قلبك وروحك على يدك، فأنت وأنا مقاتلان بسلاح آخر، سلاح الوعي الذي جعلنا نخرج معًا لاستعادة هوية كادت أن تسلب، هوية عشنا نحميها بكل ما نملك معًا.
إنه اليوم الذي سيذكره التاريخ، اليوم الذي عادت فيه هوية مصر، كنا نتكاتف وكانت أيادينا تتشابك، كأنها تنطق بقولها: نحن معًا وإن فنى العمر سنبقى ها هنا حتى تعود هوية مصر.
ملحمة من شجاعة، معجزة حدثت لم يتوقعها عقل، خرج الجميع يحملون في صدورهم مصر، وضعوها محل القلب، أسكنوها الوجدان الرحب، حفظوها بين حنايا الصدر، فمن نحن بدونها، وما قيمتنا إن سقطت مصر؟
ظن البعض ممن خانتهم أنفسهم، من هيأت لهم عقولهم المريضة أن إسقاط مصر شيء يسير بسيط سهل، لم يطلعوا على تاريخها المدون حفرًا على الصخر، نحن لم نكن نعلم بأننا نمتلك هذه القوة الجبارة، لم نتوقع أن تكتسي الميادين بالملايين من أبناء مصر.
كم شعرنا بالاغتراب، كم عانينا من فرقة لم تكن لتجرؤ على اقتحامنا يومًا من الأيام، إنه شر جاثم فوق صدر مصر، كان خروجنا أشبه بسد شيد لصد هذا الطوفان القادم ببلواه التي أقسمت أن تعم، بمشكلاته التي تم ترتيبها بصبر شديد، صبر دام لعقود برفق وعلى مهل.
نجحت مساعينا، وتقبل منا الله دعوة الحق التي رددناها- اللهم احفظ مصر- كان يومًا ليس كباقي أيامنا، كان مجدًا سطرناه بأيدينا، استقوينا من بعد رب العالمين بخير أجناد الأرض، برجل أرسل به القدر، رجل قام برصد الداء، عثر عليه وعرف مكمنه، استأصل هذا المرض اللعين الذي كان يلتهم في كل يوم قطعة من جسد مصر، تمكن بإيمانه أن يعيد لنا الوطن بهويته التي حافظت عليها كل الأجيال السابقة من أجل مصر، من أجل بقائها قوية في كل عصر.