اكتسبت مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الجارية في العاصمة القطرية الدوحة، تعقيدات غير مسبوقة، ما يزيد من صعوبة التوصل إلى اتفاق في ظل استمرار التعنّت الإسرائيلي، الذي يرفض الاستجابة لشروط حركة حماس، لا سيّما فيما يتعلق بمسألة الانسحاب التي باتت العقبة الرئيسية في العملية التفاوضية.
التفاوض مستمر
ويعمل الوسطاء الإقليميون في هذه الأثناء على صياغة حلول تساعد على سد الفجوات بين حركة حماس وإسرائيل والحفاظ على العملية التفاوضية من الانهيار.
وحسب إعلام عبري، فإن المفاوضات تتمحور في الوقت الراهن بشأن الخرائط المقترحة لانتشار القوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة، ضمن الاتفاق المحتمل لوقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين.
وكانت إسرائيل تتمسك بإبقاء قوتها على أكثر من 40 بالمائة من مساحة قطاع غزة، غير أن حركة حماس رفضت ذلك، ما جعل الوسطاء يطلبون منها تسليم خرائط انتشار أخرى.
وأشارت التسريبات التي أوردتها وسائل الإعلام إلى أن إسرائيل سلمت في إطار العملية التفاوضية الحالية، ثلاث خرائط لانتشار قواتها في قطاع غزة طوال فترة وقف إطلاق النار المقترحة لمدة 60 يومًا.
وزعمت صحيفة "جيروسالم بوست" العبرية، أن الخريطة الثالثة، وهي الأخيرة التي سلمتها إسرائيل -إلى الآن- تُظهر ما أسمته بـ"مرونة أكبر" بشأن موقع العسكريين، على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر، بين ممري موراج وفيلادلفيا.
إذ ستُقلّل إسرائيل وجودها العسكري إلى منطقة عازلة بعرض كيلومترين على طول الحدود الجنوبية قرب رفح، حسب ذات المصدر.
وبالتزامن، أكدت هيئة البث الإسرائيلية، أن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أبدى موقفًا أكثر مرونة من السابق في إطار جهود التوصل إلى صفقة تبادل، حسب ما أوردته عن مصادر سياسية شاركت في اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر "الكابينت"، مساء الأحد الماضي.
وأبدى نتنياهو مرونة في مسألة الانسحاب من محور موراج الذي يفصل بين مدينتي خان يونس ورفح، وهو بند كان يرفض الخوض فيه في مراحل سابقة، حسب ذات المصادر.
معضلة البقاء في رفح
وبينما أبدى مرونة في هذه النقطة، فإنه ما زال يتمسك بمسألة عدم الانسحاب من رفح جنوبًا، بما يخدم مشروع "مدينة الخيام" الذي يأتي كمقدمة لتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين.
وتتمثل ملامح خطة التهجير هذه في إيجاد ما يُعرف بـ"مدينة الخيام"، التي ستتكون من خيام على أنقاض مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، حيث تتضمن نقل 600 ألف فلسطيني إليها في مرحلة أولى بعد خضوعهم لفحص أمني صارم، على ألا يُسمح لهم لاحقًا بمغادرتها، وفقًا لما كشف عنه وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس.
وكشف الوزير الإسرائيلي، أن العمل على بناء هذه المدينة المزعومة سيبدأ بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.
وخلال اجتماع "الكابينت" الأخير، طُرحت "تقديرات عسكرية" تشير إلى أن إقامة هذا المخطط في رفح "قد يستغرق أكثر من عام" بتكلفة تصل إلى "10–15 مليار دولار"، حسب هيئة البث.
وقد أغضب هذا الأمر "نتنياهو"، وجعله يصف المشروع بأنه "غير واقعي"، مطالبًا بتقديم خطة بديلة أقصر وأرخص وأكثر عملية.
اتفاق وشيك
وفي غضون ذلك، زعمت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أن نتنياهو عازم على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتحرير الأسرى، غير أن ذلك قد يستغرق بضعة أيام أخرى، حسب ما أوردته عن مصادر مطّلعة.
ولاحقًا، قالت الصحيفة، إن نتنياهو أقنع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بمنحه أسبوعًا إضافيًا لإتمام الاتفاق.
وفي سياق هذه العملية التفاوضية، مارس ترامب ضغوطًا على إسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق، ولكن فيما يبدو أن هذه الضغوط ليست كافية.
وعلى الصعيد الداخلي والخارجي، بات نتنياهو متهمًا بأنه يعرقل مفاوضات التوصل إلى اتفاق بشأن غزة من أجل مصالحه السياسية والشخصية.
وهو ما أعادت حركة حماس التأكيد عليه، أمس الاثنين، مشددة على أن "نتنياهو يتفنّن في إفشال جولات التفاوض الواحدة تلو الأخرى، ولا يريد التوصّل إلى أيّ اتفاق".
وقالت حماس، إن نتنياهو "يزج بجيشه وكيانه في حرب عبثية بلا أفق"، مشيرة إلى أن استمرار الحرب لا يهدد حياة الأسرى والجنود، بل يُنذر بكارثة على المستوى "الاستراتيجي لكيانه"، حسب قولها.
ضغط ميداني
ولا تستطيع إسرائيل أن تُظهر قوتها في قطاع غزة، إلا على المدنيين العُزّل، بينما تعجز عن مواجهة الفصائل المقاومة، التي باتت تُكبّدها خسائر بوتيرة يومية.
وتتابعت في الأسابيع الماضية عمليات المقاومة النوعية، فيما يبدو أنه يأتي في إطار الضغط على إسرائيل في العملية التفاوضية.
واتضحت رغبة المقاومة هذه من خلال تكرّر محاولاتها لأسر جنود إسرائيليين خلال الأيام الماضية، وذلك حتى تستخدمهم كورقة ضغط في المفاوضات.
وقد أكدت حماس، أن مقاوميها "يخوضون حرب استنزاف تُفاجئ العدو يوميًا بتكتيكات ميدانية مبتكرة، تفقده زمام المبادرة وتُربك حساباته، رغم ما يملكه من تفوق ناري وجوي".
في إطار ذلك، أكدت مصادر عبرية، أن المقاومة الفلسطينية اعتمدت مؤخرًا نمط عمل يقوم على التضحيات مع قدر أكبر من الجرأة والاحتكاك القريب مع القوات الإسرائيلية، وهو الأمر الذي زاد من خسائر الاحتلال البشرية.
وتشير معطيات جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلى أن عدد قتلاه منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر 2023، بلغ 893 عسكريًا، بينما سُجلت أكثر من 6000 إصابة.
غير أن هذه المعطيات تُقابل بالتشكيك، إذ تتعمّد إسرائيل التكتُّم على حجم خسائرها الحقيقية، خشية التأثير السلبي على تماسك الجبهة الداخلية.