في إطار اهتمام فرع ثقافة الفيوم برئاسة ياسمين ضياء بالقضايا التاريخية والسياسية، نظم قسم الثقافة العامة برئاسة سحر الجمال لقاءً حواريًا بعنوان "موقف مصر الناصرية من إسرائيل" ، وذلك بمكتبة الفيوم العامة، بحضور الدكتور شريف يونس، أستاذ التاريخ بكلية الآداب – جامعة حلوان، والروائي أحمد قرني، وأدار اللقاء الكاتب والمفكر عصام الزهيري.
استهل عصام الزهيري اللقاء بكلمة تناول فيها أهمية الموضوع، مؤكدًا أن مثل هذه القضايا تحتاج إلى نقاشات معمقة ومراجعات تاريخية، خاصة أنها تأتي في سياق ذكرى ثورة يوليو وحركة الضباط الأحرار التي غيّرت وجه مصر من ملكية إلى جمهورية، وكانت نقطة تحول فاصلة في تاريخها.
بدأ الدكتور شريف يونس حديثه بالتأكيد على أن موقف مصر الناصرية من إسرائيل أكثر تعقيدًا مما يبدو، مشيرًا إلى أن البعض يختصره في الحروب فقط، مثل العدوان الثلاثي و نكسة 1967 ، بينما الحقيقة أن علاقة مصر بالقضية الفلسطينية تختلف عن علاقة دول الشام بها، نظرًا لاختلاف المجتمع المصري عن مجتمعات بلاد الشام، حتى في اللهجة، وهو ما يعود جزئيًا إلى العزلة الجغرافية التي فرضتها صحراء سيناء.
وتطرق إلى مشاركة جمال عبد الناصر في حصار الفالوجة ، حيث سأل أحد القادة الإسرائيليين عن كيفية انتصارهم على بريطانيا عسكريًا، مما يعكس اهتمامه المبكر بقضية التحرر الوطني. وبعد ثورة يوليو ، ومع اعتداء إسرائيل على مصر عام 1954، سعت القيادة المصرية إلى تقليل العمليات الفدائية الفلسطينية المنطلقة من غزة ، التي كانت تحت الإدارة المصرية آنذاك، بهدف تهدئة الحدود والانشغال بترتيب الأوضاع الداخلية وبناء الدولة.
لكن رد إسرائيل العنيف على بعض العمليات، والذي أسفر عن مقتل عشرين جنديًا مصريًا، دفع مصر إلى تغيير موقفها وتشجيع العمليات الفدائية. ومع تبني القيادة المصرية القومية العربية ، لم يكن الهدف الأساسي الصراع مع إسرائيل، بل عدم الانحياز في الصراع بين المعسكرين الأمريكي والسوفيتي، وكان ذلك نتيجة طبيعية لعدوان 1956. وتحول عبد الناصر في نظر الشعوب العربية إلى رمز قيادي في حركات الاستقلال والتحرر من الاستعمار.
تناول الأديب أحمد قرني الموضوع من زاوية درامية وروائية، مؤكدًا أن قراءة الحدث التاريخي يجب أن تشمل الأبعاد النفسية لصانع القرار، إلى جانب المتغيرات الداخلية والضغوط الدولية. وأشار إلى أن العديد من الوثائق المرتبطة بفترة حكم عبد الناصر وصراعات حروب 1956 و1967 لا تزال حبيسة الأرشيف المصري، ولم يُفرج عنها بعد، وأنها قد تكشف الكثير من الجوانب الغائبة.
ودلل على ذلك بأن قرار عبد الناصر بخوض حرب 1967 لم يكن مبنيًا فقط على المعطيات التي يذكرها المؤرخون، بل يظل محاطًا بالغموض. وأضاف أن هناك تحولًا دراميًا في شخصية عبد الناصر بعد الحرب، مستشهدًا بموقفه من مبادرة روجرز ، حيث رفضها أنور السادات أثناء زيارة عبد الناصر للاتحاد السوفيتي، اعتمادًا على معرفته بشخصية الرئيس، بينما أعلن عبد الناصر من موسكو قبوله للمبادرة.
شهد اللقاء مداخلات ثرية من الأدباء والمفكرين، منهم: أحمد السواح، محمد حسني إبراهيم، الدكتور نبيل الشاهد، الدكتور أمين الطويل.