السبت 19 يوليو 2025

تحقيقات

قانون الإيجار القديم في قفص الاتهام.. انهيارات «العقارات».. شبح «الموت» يطارد سكان القاهرة والجيزة

  • 18-7-2025 | 17:15

قانون الإيجار القديم

طباعة
  • دار الهلال

في مشهد بات يتكرر بشكل مقلق، اهتزت عدة مناطق في القاهرة والجيزة خلال شهري يونيو ويوليو 2025 على وقع انهيارات مفاجئة لعقارات سكنية، خلفت وراءها ضحايا ومصابين ودمارًا ماديًا كبيرًا.

هذا التكرار المأساوي أعاد فتح ملف العقارات الآيلة للسقوط، وأثار تساؤلات واسعة حول الأسباب الحقيقية، ودور التشريعات القديمة، وعلى رأسها قانون الإيجار القديم، في تفاقم الأزمة.

ففي أقل من شهر، سجلت ستة انهيارات متفرقة في محافظتي القاهرة والجيزة، أبرزها كان في شارع قدري بمنطقة السيدة زينب، حيث انهار عقار مأهول مكون من 7 طوابق في 18 يونيو، وأسفر الحادث عن وفاة 9 أشخاص وإصابة 5 آخرين، وتم إخلاء عدة عقارات مجاورة كإجراء احترازي.

ولم تمضِ سوى أيام قليلة حتى شهدت العاصمة انهيارات جديدة في يوم واحد (18 يوليو)، إذ سقط عقار خالٍ من السكان في السيدة زينب، تلاه انهيار مبنى في مصر القديمة، أعقبه انهيار آخر في منطقة الساحل بشبرا، تسبب في وفاة شخص وإصابة أربعة وفي محافظة الجيزة.

كما شهدت منطقة الطالبية انهيارًا جزئيًا لعقار قديم، أدى إلى إصابة ثلاثة مواطنين، هذا التتابع ا كشف عن خلل مزمن في بنية المباني القديمة، ولفت الأنظار إلى خطورة استمرار الوضع دون تدخل جذري.

لكن محافظة القاهرة،   أكدت  في وقت سابق أن عقار شبرا كان خاليا من السكان لكنه تسبب فى وفاة أحد المارة، ولم يؤثر على العقارات المحيطة به،  مشددةً في الوقت ذاته على رؤساء الأحياء بسرعة تنفيذ قرارات إزالة العقارات الأيلة للسقوط، وعمل تقرير يومى بما تم من إجراءات.

وسط هذه الحوادث المتلاحقة، وجه كثيرون أصابع الاتهام إلى قانون الإيجار القديم باعتباره أحد أبرز الأسباب غير المباشرة وراء تدهور حالة آلاف العقارات، فبسبب الإيجارات المتدنية التي لا تتجاوز جنيهات معدودة، يعجز الملاك عن صيانة المباني أو إجراء الترميمات الضرورية، بينما تستمر العلاقة الإيجارية لعقود دون مراجعة أو تطوير،.

وأكد د. إبراهيم صابر، محافظ القاهرة،   في تصريحات سابقة، أن أغلب العقارات المنهارة تعود إلى فترات تاريخية قديمة، وتتبع نظام الإيجار القديم، مشيرًا إلى أن غياب أعمال الترميم والصيانة الدورية ساهم بشكل مباشر في انهيارها.

وفي محافظة الجيزة، أشار المهندس عادل النجار، إلى أن قرارات الإزالة تُتخذ بناءً على تقارير فنية، وأن الأجهزة المحلية تتعامل مع البلاغات بجدية، إلا أن حجم المشكلة يتجاوز الإمكانيات المتاحة حاليًا

من جانبه، شدد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي على أن الحكومة بدأت بالفعل في مواجهة هذه الأزمة من خلال تشكيل لجان فنية لرصد العقارات المتصدعة، واتخاذ قرارات بالإخلاء أو الترميم حسب الحالة. لكنه أقرّ في الوقت نفسه بوجود تحديات كبرى، من بينها الكثافة السكانية، وتعقيد الإجراءات القانونية، وصعوبة توفير بدائل سكنية فورية

في ظل هذا الوضع، تتجه الأنظار إلى مشروع قانون الإيجار القديم الجديد، الذي تم الموافقة عليه   مؤخراً والذي يهدف إلى تصحيح العلاقة بين المالك والمستأجر، ووضع آليات عملية تُمكن من صيانة العقارات وتفادي الكوارث.

حيث يتضمن المشروع رفع تدريجي لقيمة الإيجارات خلال فترة انتقالية، مع تحويل العلاقة الإيجارية إلى القانون المدني بعد انقضاء المهلة، فضلًا عن إلزام الملاك بالصيانة، وفتح الباب أمام تدخل الدولة في حالة تقاعسهم.

 

ورغم أن القانون الجديد يحمل وعودًا بالحل، إلا أنه يواجه اعتراضات من بعض الجمعيات التي تدافع عن حقوق المستأجرين، خاصة الفئات الأشد فقرًا، ما يجعل الوصول إلى صيغة توافقية ضرورة ملحّة، قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة عمرانية واجتماعية شاملة.

في الأحياء الشعبية والتاريخية، لا يملك كثير من السكان  رفاهية  الانتظار،   تقول السيدة "أم حسن"، إحدى قاطنات السيدة زينب، بعد إخلاء منزلها المجاور لعقار منهار: "بنام كل يوم وأنا مش عارفة أصحى تاني ولا لأ.. الحيطان مش متماسكة، وكل ما نشتكي محدش بيرد علينا.

هذه الشهادة تتكرر في أحياء متفرقة  حيث تتعرض حياة الأسر للخطر يوميًا، في ظل تقادم المباني، وعدم جدوى البلاغات، أو بطء الاستجابة من جانب الأحياء والمجالس المحلية.

تكرار انهيار العقارات خلال فترة قصيرة يعكس أزمة مركبة تتقاطع فيها عوامل اقتصادية، وتشريعية، وهندسية، وتتطلب تحركًا عاجلًا من جميع الجهات. فالإبقاء على الوضع الراهن يعني ببساطة القبول بسقوط مزيد من الأرواح.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة