نظّمت مكتبة الإسكندرية ندوة بعنوان "التاريخ من الكتاب إلى الشاشة"، في إطار فعاليات البرنامج الثقافي للدورة العشرين من معرضها الدولي للكتاب، بمشاركة الكاتب والباحث التاريخي أيمن عثمان، والكاتب والباحث التاريخي وليد فكري، وقدّم الندوة الكاتب بشري عبد المؤمن.
وقال عبد المؤمن إن الندوة تسعى إلى مناقشة آليات تحويل الكتاب التاريخي إلى عمل درامي، والفروق الجوهرية بين السرد المكتوب والمعالجة الفنية، إلى جانب التحديات التي تواجه صناع الدراما في التعامل مع الروايات التاريخية المتعددة، سواء الرسمية أو الشعبية، وما يترتب على ذلك من مشكلات في دقة النقل التاريخي، وتأثير ذلك على وعي الجمهور.
وأشار عبد المؤمن إلى أن هناك أزمة متكررة في التعامل مع التناقض بين الرواية الرسمية والرواية الشعبية لنفس الحدث التاريخي، مستشهدًا بشخصية أدهم الشرقاوي التي ظهرت في السرد الشعبي كبطل شعبي، بينما وصفتها الوثائق الرسمية كمخالف للقانون.
وأكد أن هذا التناقض لا يجب أن يُنظر إليه كخلل، بل كفرصة لفهم طبيعة التلقي الشعبي، وكيفية تشكّل الرموز في الوجدان العام.
من جانبه، أوضح الكاتب أيمن عثمان أن السرد الشعبي، رغم كونه غير موثق أكاديميًا، إلا أنه يحمل دلالات مهمة عن المزاج العام، ويعكس حاجة الناس إلى رموز بطولية في فترات التوتر أو الغياب السياسي.
وأشار إلى أن الشعب المصري، في لحظات الفراغ الرمزي، قد يعيد تشكيل شخصيات تاريخية أو يبتكر رموزًا جديدة تتجاوز الواقع، لتلبي حاجته إلى البطولة والانتصار.
واستعرض عثمان تجربته في تحويل كتابه "مذكرات نشال" إلى مسلسل درامي "النص" للفنان أحمد أمين، والذي يستعيد يوميات النشال عبد العزيز النُص في النصف الأول من القرن العشرين، موضحًا أن هذا العمل الفني ساهم في زيادة شعبية الكتاب، وفتح بابًا واسعًا أمام الجمهور للبحث عن النص الأصلي ومقارنة ما ورد فيه بما ظهر على الشاشة.
ورأى أن هذا النوع من تحويل الكتاب إلى عمل فني درامي لا يقتصر على إعادة سرد الوقائع، بل يتطلب معالجة درامية وتطويرًا للشخصيات، لأن الفكر الدرامي يختلف عن السرد التاريخي التقليدي.
وأشار عثمان إلى أن الأعمال الدرامية، حين تُبنى على كتب تاريخية، تثير فضول المشاهد وتدفعه إلى التحقق من المصادر، وهو ما يعزز العلاقة بين الفن والبحث التاريخي.
واستشهد بفيلم كيرة والجن كمثال على اختلاف المعالجة الدرامية عن النص الأصلي، مؤكدًا أن الشخصيات التاريخية لا يمكن تقديمها كرموز مطلقة للخير أو الشر، بل يجب إبراز تطورها الإنساني ودوافعها الواقعية.
وفي سياق الحديث عن الرواية الشعبية، أوضح عثمان أنه تتبّع سيرة "أدهم الشرقاوي" ووجد ما لا يقل عن سبع روايات شعبية مختلفة، إلى جانب المصادر الرسمية التي وصفته بـ"الشقي".
واعتبر أن السيرة الشعبية لا تصلح كمصدر مباشر للتاريخ، لكنها مؤشر مهم على المزاج العام، مشيرًا إلى أن الشعب قد يتجاوز عن أخطاء بعض الشخصيات في سبيل الحفاظ على صورة البطل المتكامل.
كما شدد عثمان على أهمية دور المراجع التاريخي في الأعمال الدرامية، موضحًا أن الدراما السورية تلزم جميع أفراد الفريق بالرجوع إلى المراجع، ولا يُعتد بأي نسخة من السيناريو دون توقيعه.
وأكد أن المراجع لا يقتصر دوره على مراجعة الصراع، بل يشمل تفاصيل الحياة اليومية واللغة المستخدمة في زمن الحدث، مشيرًا إلى أن التدقيق في التفاصيل هو ما يمنح العمل مصداقيته التاريخية.
من جانبه، أوضح الكاتب وليد فكري، أن تحويل التاريخ إلى محتوى مرئي يتطلب وعيًا بطبيعة الجمهور الرقمي، الذي يميل إلى الملل ويبحث عن المعلومة المبسطة.
وقال إن البرامج المرئية تفرض قيودًا زمنية على المحتوى، على عكس الكتب التي تسمح بالاستفاضة والعودة إلى التفاصيل، مشيرًا إلى أن بعض الجمهور يفضل تلقي المعلومة في صيغة مرئية أو مسموعة، مما يفرض على صناع المحتوى التاريخي التعامل مع المادة كمنتج يحتاج إلى تسويق ذكي عبر الوسائط المختلفة.
وأكد فكري رفضه لتحويل كل محتوى إلى محاضرة، داعيًا إلى استخدام أساليب متنوعة مثل الفيديوجراف أو الاسكتش لتوصيل المعلومة، مع الحفاظ على الدقة والوضوح.
وفي سياق الحديث عن الرواية الشعبية، شدد فكري على أن السرد الشعبي لا يجب أن يُعامل كخصم للرواية الرسمية، بل كمدخل لفهم الوجدان الجمعي.
وأوضح أن السير الشعبية مثل علي الزيبق والظاهر بيبرس تمثل تراكمات قرائية عبر الزمن، ويجب استغلالها وتحليل عناصرها لفهم ما ترسّخ في وجدان الناس، بدلًا من مواجهتها بالتعالي أو الإقصاء.
وشدد فكري على أهمية التفرقة بين سرد الأحداث وتحليلها، مؤكدًا أنه يلتزم بعرض الوقائع كما هي، ويترك للجمهور حرية التفكير وتكوين الرأي.
وأشار إلى أن بعض الأعمال المصرية تفتقر إلى التدقيق، مستشهدًا بأمثلة مثل استخدام أغنية من الخمسينيات في عمل تدور أحداثه في الأربعينيات، أو ارتداء أزياء غير متوافقة مع الحقبة الزمنية.
وحذر فكري من تحول السوشيال ميديا إلى مصدر تاريخي، مشيرًا إلى أن بعض النجوم يستضيفون مؤثرين في بعض المنصات الإلكترونية ويعتمدون على محتوى غير موثق، مما يهدد دقة الأعمال التاريخية.
وقال: "إذا كان هذا هو السياق الجديد، فالأفضل ألا تُنتج أعمال درامية تاريخية حتى لا تُشوّه بمعلومات غير حقيقية".
جدير بالذكر أن فعاليات الدورة العشرين لمعرض مكتبة الإسكندرية الدولى للكتاب تتواصل خلال الفترة من 7 إلى 21 يوليو الجارى، بالتعاون مع الهيئة المصرية العامة للكتاب، واتحادى الناشرين المصريين والعرب، وتقدم 79 دار نشر مصرية وعربية أحدث إصداراتها بخصومات متميزة لرواد المعرض، وعلى هامش المعرض يتم تقديم 215 فعالية ثقافية، ما بين ندوات وأمسيات شعرية وورش متخصصة، بمشاركة قرابة 800 مفكر ومثقف وباحث ومتخصص في شتى مناحى الإبداع والعلوم الإنسانية والتطبيقية.