تحجب دماء الفلسطينيين المراقة في قطاع غزة، منذ أشهر، الضوء عن مأساة إنسانية أخرى لا تقل فتكًا، وهي الجوع الذي ينهش أجساد أكثر من مليوني إنسان، بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر ومنع دخول الإمدادات الغذائية والإنسانية منذ مطلع مارس الماضي، في سياسة ممنهجة تُمعن في تجويع السكان وإبادتهم بصمت.
ففي غزة، إذا كُتب لك النجاة من الموت قصفًا أو رصاصًا، فلن تنجو من خطر الموت جوعًا، حيث بات الجوع سلاحًا جديدًا يهدد حياة الأهالي في كل بيت ومخيم.
لا يحتاج أهالي غزة إلى كلمات ليُعبّروا عن معاناتهم، فملامح الوجوه الشاحبة، والأجساد التي لم يبقَ منها سوى العظم، ما يكفي ليروي فصول مأساة صامتة، تدمي القلوب.

فالبطون التصقت بالظهور، والعيون غارت في محاجرها من شدة الجوع، حتى الدموع لم تعد تجد طريقها إلى الوجوه المنهكة.
في غزة، الناس يموتون جوعًا، لا لأنه لا يوجد طعام، بل لأن إسرائيل تحول دون دخوله، هي حقيقة يدركها العالم بأكمله، ومع ذلك، يقف متفرجًا لا يحرك ساكنًا.
البحث عن الطعام في غزة قد يكلفك حياتك، هي معادلة فرضتها إسرائيل من خلال مراكز المساعدات التابعة لها، التي هي في حقيقة الأمر "مصائد موت" لقتل الفلسطينيين، حيث قُتل قربها نحو 900 فلسطيني منذ مايو الماضي.

الغزيون يروون مأساتهم مع الجوع، مشيرين إلى أن مشاهد سقوط الناس في الشوارع من شدة الجوع باتت مألوفة وتتكرر يوميًا في كل زاوية وناحية من القطاع المحاصر.
تقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، إنها تمتلك مخزونًا غذائيًا كافيًا لجميع سكان قطاع غزة لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، لكنه لا يزال في المستودعات بانتظار السماح بدخوله من قبل السلطات الإسرائيلية.

ولانتشال القطاع من هذه الأزمة، دعت "الأونروا" إلى فتح المعابر ورفع الحصار عن غزة، مؤكدة أنها مستعدة للقيام بواجبها الإنساني ومساعدة السكان، ومنهم مليون طفل.
وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، أكدت أن القطاع يمر بحالة مجاعة فعلية تتجلى في النقص الحاد بالمواد الغذائية الأساسية وتفشي سوء التغذية الحاد.
ورصدت طواقم الوزارة ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الوفيات الناتجة عن الجوع وسوء التغذية، محذرة من كارثة صحية وإنسانية غير مسبوقة إذا استمر هذا الصمت الدولي.
الوزارة تحدثت عن توافد أعداد غير مسبوقة من المواطنين من مختلف الأعمار إلى أقسام الطوارئ، وهم في حالات من الإعياء والإجهاد الشديدين نتيجة الجوع الحاد.
ونوهت إلى أن المئات ممن أنهكهم الجوع ونحلت أجسادهم باتوا مهددين بخطر الموت المحتم، في ظل عجز أجسادهم عن الاستمرار في الصمود، محذّرة من كارثة صحية وإنسانية وشيكة إذا استمر الحصار ومنع دخول الإمدادات الغذائية والطبية.

ووجّه مكتب الإعلام الحكومي في غزة نداءً دوليًا عاجلًا إلى المجتمع الدولي، وكافة دول العالم دون استثناء، بما في ذلك المنظمات الأممية والدولية والحقوقية والقانونية، إضافة إلى جميع الكيانات السياسية، وذلك في ظل الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، والتي تدخل يومها الـ651 من الإبادة الجماعية والتجويع.
مطالبًا بفرض ممرات إنسانية آمنة ودائمة بإشراف دولي مباشر وفعلي، لضمان وصول الغذاء والدواء إلى كافة المناطق في قطاع غزة دون عراقيل من الاحتلال، بالإضافة إلى رفع الحصار فورًا باعتباره جريمة جماعية بحق السكان المدنيين.
