خفضت الصين استثماراتها في ديون الحكومة الأمريكية للشهر الثالث على التوالي، في خطوة أثارت تساؤلات بين المستثمرين الدوليين، وزادت من حدة المواجهة الاقتصادية المحتدمة بين أكبر اقتصادين في العالم، وذلك في مؤشر جديد على تصاعد القلق داخل بكين من مستقبل الاقتصاد الأمريكي.
ووفقا لبيانات وزارة الخزانة الأمريكية، خفّضت الصين حيازاتها من سندات الخزانة الأمريكية في شهر مايو إلى 756.3 مليار دولار، مقارنة بـ757.2 مليار دولار في أبريل، لتسجل بذلك أدنى مستوى لها منذ مارس 2009.
وكانت الصين حتى وقت قريب أكبر دائن أجنبي للولايات المتحدة، لكنها تراجعت مؤخرًا خلف اليابان والمملكة المتحدة، حيث بلغت حيازات اليابان نحو 1.135 تريليون دولار، تليها المملكة المتحدة بـ809.4 مليار دولار، بحسب منصة "ريج تيك تايمز" الإخبارية الأمريكية.
تأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد التوترات التجارية بين بكين وواشنطن، حيث فرض الطرفان في الشهور الأخيرة قيودًا جديدة على صادرات كل منهما، ما أحدث حالة من عدم اليقين في الأسواق العالمية، ويرى بعض المحللين أن تقليص الصين لحيازاتها من السندات الأمريكية قد يكون وسيلة للحماية أو رسالة سياسية في خضم هذه المرحلة الاقتصادية المضطربة.
وخلال مايو، توصلت الصين والولايات المتحدة إلى هدنة مؤقتة مدتها 90 يومًا في حربهما التجارية بعد محادثات جرت في جنيف، لكن هذه الهدنة سرعان ما انهارت، بعد أن أعلنت واشنطن عن قواعد جديدة لتقييد التصدير، وردت بكين بإجراءات تقيد تصدير العناصر الأرضية النادرة، التي تُعد ضرورية للعديد من الصناعات التكنولوجية.
ومع تصاعد النزاع، تصاعدت المخاوف من امتداده إلى الأسواق المالية، وأشار بعض المحللين إلى احتمال أن تتجه بكين إلى بيع المزيد من السندات الأمريكية، فيما تصاعدت في واشنطن الأصوات المطالبة بإجراءات ضد الشركات الصينية المدرجة في البورصات الأمريكية، مما زاد من توتر العلاقات بين البلدين.
وحذّر ليان بينج، رئيس منتدى كبار الاقتصاديين الصينيين - خلال مايو - من أن العقوبات المالية الشاملة ضد بكين قد لا تكون مرجحة، إلا أن القطاع المالي قد يصبح "ساحة المعركة التالية" في النزاع الاقتصادي.
وتزامنت هذه التطورات مع مصادقة مجلس النواب الأمريكي في مايو على مشروع قانون ضخم للضرائب والإنفاق بدعم من الرئيس السابق دونالد ترامب، عرف باسم "مشروع القانون الجميل الكبير"، وتضمّن اقتراحًا برفع سقف الدين الفيدرالي الأمريكي بمقدار 5 تريليونات دولار، ما أثار قلقًا دوليًا واسعًا، ودفع العديد من الدول، وعلى رأسها الصين، إلى التشكيك في قدرة الولايات المتحدة على إدارة ديونها المتفاقمة.
ورغم اتجاه الصين إلى البيع، أظهرت بيانات وزارة الخزانة الأمريكية أن إجمالي حيازات الأجانب من الديون الأمريكية ارتفع - في مايو - إلى 9.05 تريليون دولار، وهو ثالث شهر على التوالي تتجاوز فيه الحيازات هذا الرقم، حيث جاءت معظم هذه المشتريات من مستثمرين أجانب من القطاع الخاص، الذين أضافوا 333.2 مليار دولار من الأوراق المالية، في حين سحبت المؤسسات الرسمية، مثل البنوك المركزية، نحو 22.1 مليار دولار؛ مما يعكس مزيجًا من الثقة والحذر في آنٍ واحد.
وفي الوقت الذي خفّضت فيه الصين استثماراتها، زادت كل من اليابان والمملكة المتحدة من حيازاتهما؛ ما يعكس تباينًا في مواقف القوى الاقتصادية الكبرى تجاه المخاطر المالية المتزايدة في الاقتصاد الأمريكي.
وخلال ثلاثة أشهر فقط، قلّصت الصين أكثر من 10 مليارات دولار من استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية، في ظل مزيج معقد من النزاعات التجارية، والقيود التصديرية، والقلق المتصاعد من الدين الأمريكي، فيما تتركز الأنظار الآن على كيفية تعامل العملاقين الاقتصاديين مع هذا الضغط المتزايد الذي بات يُلقي بظلاله على الاستقرار المالي العالمي.