الأربعاء 23 يوليو 2025

مقالات

عن ثورة لم أعش أيامها

  • 22-7-2025 | 13:04
طباعة

كاتب هذه السطور من مواليد ديسمبر 1964، سمعت صغيرًا عن ثورة عظيمة، وعن زعيم عظيم في وطن عظيم، عرفت خالد الذكر جمال عبد الناصر (أبو خالد) باكرًا، من حكايات الجدة الطيبة، كانت تترنم في «العصرية» بأغنية كوكب الشرق «أم كلثوم» من كلمات طيب الذكر «بيرم التونسي»:

يا جمال يا مثال الوطنية... أجمل أعيادنا المصرية / بنجاتك يوم المنشية... ردوا ردوا عليّ

كانت جدتي تنغم "ردوا عليّ... ردوا عليّ"، وكأنها تستطعم الكلمات، تمتص منها أجمل الرحيق.

زمان، على شط الترعة الصغيرة، كنا صغارًا نتسابق كالعصافير نحو جدول المياه الذي يخترق بلدتنا الوادعة، ونتنافس: من يقفز عاليًا من الشط إلى الشط ولا يتبل أو يغرز في الطين؟ وكان التحدي قائمًا: "لو عديت الترعة تبقى ابن عبد الناصر".

قدماي الصغيرتان القصيرتان خذلتاني، وإلى الآن، لم أحظَ بشرف أن أكون ابن عبد الناصر. لم أعرف اسم ابن عبد الناصر إلا يوم وفاة أبو خالد، ومشيت ذاهلًا وراء النعش الخاوي يلف المدينة، والهتاف يزلزل البيوت القزمية ويخرق أجواز الفضاء على الزراعية:

"يا خالد روح قول لأبوك ميت مليون بيودّعوك".

بكاه أبي كما لم يبكِ والده الطيب، جدي الفلاح الطيب، واتشحت أمي بالسواد، كما توشحت يوم وفاة جدي، والدها الحبيب، ودام الحداد على صوت القرآن الكريم في بيوت المدينة أربعين يومًا بتمامها.

صغيرًا كنت حائرًا متحيِّرًا، لم أتبين بعد لماذا بكت مصر رجالها ونساءها، شبابها وشيوخها ناصر، وحتى ساعته لا أعرف سر تجدُّد الحزن الدفين على زينة الرجال، ولماذا تنتابني نوبة من البكاء كلما أطَّلَّ من كوة الزمن الصعيب هذا اليوم الحزين، أبكي حبيبًا غاب، حضوره أقوى من الغياب.

وتتبعت ما تيسر من سيرته، بالأحرى ثورته، ثورة يوليو، ثورة غيَّرت وجه التاريخ في المحروسة، نقلته من حال إلى حال، من ملكية فاسدة ترعى إقطاعًا يحكم ويتحكم في كرماء المصريين، ورأسمالية متوحشة تمتص عرق المصريين، أطاحت أحزابًا فاسدة، وأسسَت لجيش وطني قوي، وفي الصورة زعيم اسمه جمال عبد الناصر.

ثورة يوليو بدأت بناصر، وتقديري أنها انتهت بوفاته، عاش المصريون بعدها على ذكريات، يتذكرونها في موعد معلوم كل عام، والذِّكرى تنفع المؤمنين بها.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة