الأربعاء 23 يوليو 2025

كنوزنا

نجحت الثورة

  • 22-7-2025 | 13:16

ثورة يوليو

طباعة
  • فكري أباظة

لقد نجحت الثورة.. ونجحت نجاحًا كاملًا في تطهير السمعة الخارجية، فلمعت وتألقت بسرعة البرق.

بطلها الأول

بطلها الأول – في نظري – هو الملك السابق «فاروق»! لا أدري ما الذي دفعه إلى أن يُعجِّل بالثورة في سنواته الأخيرة. لقد كانت مجلات «دار الهلال» من ضحاياه! ولعل السبب أنها كانت تُنذِر وتُحذِّر، وترتجي أن يثوب ولي الأمر إلى رشده، ولكنه في سنواته الأخيرة كان قد بلغ المدى في اعتداده بنفسه، وزهوه بكفايته وقدرته.. فترك في نفس كل سياسي وكل مشتغل بالمسائل العامة غُصَّة! ولم ينجُ واحد من رجاله وأقطاب دولته من غلوه وأذاه.. كان هو المحرّض الأول على الثورة أو كان هو بطلها، وإنْ كان أول ضحية من ضحاياها!

الجنود المجهولون

نترك للتاريخ أن يسجل في سجل الشرف «الجنود المجهولين» من السياسيين، وأبناء الصحافة في المقدمة، وزعماء الأحزاب الناشئة، ممن أعدوا الوقود لهذه الثورة، ومهّدوا الأرض لها. ولا نذكر أسماءهم، فهي معروفة، ودورهم العملي والروحي معروف.

الجيش

لم يسيطر «فاروق» تلك السيطرة التي طوَت صفحتها الأيام، إلا لأنه كان يعتمد على الجيش! كان هو السيف المُسلّط فوق رؤوس السياسيين من الضعفاء والجبناء، والأقوياء معًا! وكان هو الخطر الذي يُلوِّح به «فاروق» كلما أزمت أزمة، وكلما تشجّع الناس على أن يضعوا الملك عند مكانه، ولكن شاء حظ هذا البلد أخيرًا أن تنبت الثورة في حقل الجيش! وأن تكمن هذه الثورة أعوامًا قليلة في صدور شباب من خيرة الشباب، تناثروا هنا وهناك في أسلحة الجيش المختلفة، وكان همهم الأول أن يستردوا اعتبار الجيش وكرامته! ولا شك أن كارثة حرب «فلسطين» كانت الفتيل الذي أشعل النار المباركة.

الصيف

أعتقد أن القدر السعيد أعان ثورة الجيش بالصيف! أو – بعبارة أخرى – بتصييف «الملك» وحرسه، وحاشيته، وأقطاب دولته، وكبار موظفي الدولة في الإسكندرية! كانت العاصمة خالية، وكانت على العيون غشاوة، وكان الاتصال منعدمًا – تقريبًا – بين العاصمة الأولى والثانية، ولا عبرة بـ»اللكلكة»، فقد أعدّ الثائرون خطتهم أحكم إعداد، وصاحبها حظ كبير. وعندي أن المغامر الذكي دائمًا موفق، وأن الإقدام الحازم دائمًا ناجح! وقد كان هذا وذاك.

الشعب

أرجّح – للتاريخ – أنه لو لم يكن «الشعب» موتورًا وحانقًا هو الآخر، لما كانت تنجح ثورة الجيش! إن زحف اللواء «محمد نجيب» إلى الإسكندرية كان زحفًا عسكريًا وشعبيًا معًا! وللتاريخ أن يكشف الستار عمّا إذا كانت هذه الظاهرة – ظاهرة ثورة الشعب مع الجيش – هي التي شجّعت الثائرين على أن يحسموا أمرهم ويحسموا الموقف الرجراج بعزل الملك وإخراجه، أم لا؟

الإصلاح الزراعي

أول ثورة فاجأت الجماهير كانت ثورة «الإصلاح الزراعي»، تحديد الملكية، وتخفيض الإيجارات الزراعية، وتحديد أجر العامل الزراعي. ولم نكن من أنصار تحديد الملكية على وضعه المعروف، فاعتبرناه «طفرة»، أو اعتبرناه «جرعة دواء» كميتها أكثر من اللازم بكثير. كنا نفضّل «الضريبة التصاعدية» ممزوجة بتحديد الملكية على آجال أطول، لتُعمّر خزينة الدولة وتمتلئ، ولتتجنّب الثورة التحول الفجائي الخطير الشأن، ولكن للثورة منطقها.. وهو منطق له وزنه. لسان حالها كان يقول: إن ذلك القطيع من الغنم عانى قرونًا وأجيالًا، فإن لم يتحرر و«السكين حامية» أفلتت الفرصة ولم تسنح مرة ثانية! فلنترك للتجارب وللزمن الحكم على أي المنطقين أصح وأبعد نظرًا.

ولا شك أن تخفيض الإيجارات الزراعية كان ضربة في الصميم، وضربة موفقة كل التوفيق.. فلم يكن من المعقول أن يستمر ذلك الغلو الجنوني في إيجارات الأطيان. لقد كان أشبه بـ«قرصنة» في عصر كله جوع وفقر ومرض. ولعل هذه الموقعة من أبرز مواقع الثورة.

حل الأوقاف

أما حل الأوقاف فهو غزوة أخرى موفقة.. فما كان من المعقول أن تُجمّد هذه الثروة فلا تدخل في سوق التعامل، ولا أظن أن أحدًا لم يبارك هذا الإصلاح الخطير.

ثورة حنونة

مهما أصابت الجروح والرضوض والخدوش بعض الناس، فإن الثورة كانت ثورة «حنونة»، وندر أن تبرأ الثورات التاريخية من سفك الدماء كما برئت ثورتنا هذه! ومهما قيل عن الاعتقالات والمحاكمات والأحكام، فإن آثارها لا تزال آثارًا لينة هينة! ومن يدري، فقد تلين وتهون إذا تهيأت ظروف أسعد إن شاء الله.. إنها ثورة «سمباتيك»، ولم يتعوّد المصريون الثورات الجامحة، اللهم إلا ثورة سنة 1919.

حل الأحزاب السياسية

عندما صدر قانون «الأحزاب» عارضناه بشدة، ورجّحنا أنه كان قانونًا مؤقتًا، لأن أحكامه كانت عجيبة الأطوار! وقد كان.. أُلغيت الأحزاب، وصودرت ممتلكاتها، وأُلغي الدستور، وقامت «مرحلة انتقال»، ولِيَ الجيش أمرها. وقد كان لابد من هذا في أعقاب الثورة. وكنا ندعو إلى هذا من سنين. كان يجب أن تُزال الأنقاض، وتُصفى المساوئ المكدسة. وما كان من الممكن أن تساعد الأداة البرلمانية البطيئة، المتسكعة، المتشدقة، ذات الضجيج والعجيج، أو أن تساير الثورة ذات البت والحزم والبتر وسرعة التنفيذ. طالت هذه الفترة أو لم تطل، فإن الحكم على هذا لا يتسنى ولا يتهيأ في عام واحد. ومع ذلك، فإن المسائل الكبرى المعلقة تُصفّى، ولجنة الدستور تؤدي عملها، وأسس الإصلاح والتعمير توضع وتبرز تدريجيًا لترى النور.. فإذا قطع هذا كله مرحلة التثبت والاطمئنان والاستقرار، فإن الثورة لا بد أن تعلن أن عملها قد انتهى، وأن الأمانة التي في يدها يجب أن تُردّ للشعب وممثليه، وأن أوان الحكم العادي السياسي المدني قد عاد.

مشروعات الإصلاح

تعاقبت مشروعات الإصلاح ولم تتثاءب أو تتردد. ومن الظلم أن نحكم لها أو عليها، فإن ذلك الحكم لا يتهيأ لكي يكون منصفًا عادلًا إلا بعد أعوام. وشاء سوء الحظ أن تطل «الأزمة الاقتصادية» المكتومة المستورة برأسها معاصِرة للثورة! من الظلم أن ننسب هذا الركود العارض الطارئ للثورة. لقد كانت الطلائع ظاهرة مرئية في نهاية العهد السابق، بل ربما نبتت الأسباب والعلل فلم تلد إلا بعد قيام الثورة.

ومع ذلك، فهذه الأزمة الاقتصادية ليست أزمة محلية بقدر ما هي أزمة عالمية. ومن الإنصاف أن لا نحمّل «العهد الحاضر» المسؤولية. ولقد ظلم العهد الحاضر نفسه، فلم يُحسن فن الدعاية لتبديد هذا الاتهام الظالم، الذي يشيع بين العامة من الناس، والذي يُزكيه «الخاصة» من المجروحين والمخدوشين والمرضوضين.

المشاكل السياسية العليا

حسمت الثورة المشكلة الكبرى، وهي مشكلة «السودان»، ونرجو الله مخلصين أن يُبارك هذه «الواقعية» – كما يسمونها – في حل المشاكل السياسية الكبرى. لقد أبدينا رأينا أكثر من مرة في اتفاقية السودان، ولا نحب أن نعيد الكَرَّة. وإنما نكتفي بأن ندعو مع الداعين، وبأن نؤمل مع المؤملين.

ونقول القول نفسه عن مشكلة «الجلاء»، وقد تتبع القراء أبحاثها ومفاوضاتها. وعندما تتهيأ الفرصة للحكم الصحيح على النتائج، يفتح «الهلال» صدره لمختلف الآراء فيها.

بقيت مشكلة سياسية عليا، وهي «مشكلة فلسطين».. فإذا أقدمت الثورة على حسمها، فمعنى ذلك أنها تمهّد الأرض السهلة للسياسيين المدنيين بعد ذلك، لتعود المياه إلى مجاريها من دون أن تعترضها جبال، وتلال، ووهاد، وشوك، وقَتاد.

الأداة الحكومية

كانت إجراءات «التطهير» سريعة خاطفة.. لفحت نارها الأفواج الأولى، ولا يزال العدل المطلق يتطلب المراجعة أو يقبل التظلُّم!

ولئن كان القصد من ذلك «التطهير» تخفيف العبء عن خزانة الدولة وعن الميزانية بغربلة الموظفين، فإن العملية لم تُثمر ثمارها، واعتقادي أن ترك الحال على ما هو عليه لن يؤدي إلى إصلاح جدي. وبهذا لم تحسم الثورة مشكلة الأداة الحكومية، اللهم إلا من ناحية المعنويات، والأخلاقيات، والذمم، ونزاهة الحكم، فقد حدث تطور مشرّف لا شك فيه في هذه الناحية.


هيئة التحرير

ولم أكن من أنصار «الحزب الواحد». ولئن كان الجيش قد نجح في أن يكون «مثاليًا»، فليس معنى هذا أنه قد نجح في أن يجعل سائر الناس «مثاليين». و»هيئة التحرير» لا تزال في مستهل عملها، فعسى أن توفَّق لأداء الخدمات العامة في الميدان الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. أما إن كان القصد منها أن تكون «أداة حزبية» سياسية، فإني أشك كثيرًا في أنها تحقق هذا الهدف على أساس سليم. ولن يكون الذنب ذنبها، وإنما يكون الذنب ذنب الحشود التي زحفت إلى الانضواء تحت لوائها لتحقيق غايات شخصية، حسب ما عودتهم سوابق الحزبية في مصر.

السمعة الخارجية

لقد نجحت «الثورة» نجاحًا كاملًا في تطهير السمعة الخارجية، فلمعت وتألقت بسرعة البرق، بعد أن كانت مشوبة ملوثة أضرت بنا ضررًا بليغًا. هذه السمعة الخارجية المطهَّرة النظيفة رفعت مقامنا الخارجي، وخلقت لنا «حيثية دولية» لا شك أنها دعامة قوية سوف تُبرز مركز مصر السياسي إبرازًا ساميًا في المجال الدولي. وهنا يكبر الأمل في أن مصر ستلعب دورها الخطير في شؤون الشرق الأدنى والشرق الأوسط، فتتوسط زعامتها، وتستقبل عهدًا خارجيًا جديرًا بهذا الوطن العظيم.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة