نظمت مساء أمس الأربعاء مكتبة القاهرة الكبرى، برئاسة الكاتب يحيى رياض يوسف، احتفالية كبرى بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو وذلك تحت رعاية وزارة الثقافة وقطاع شؤون الإنتاج الثقافي، بحضور نخبة من الأدباء والمفكرين والإعلاميين.
افتتحت الأمسية بكلمة الكاتب عبد الله نورالدين، مسئول النشاط الثقافي والفني بوزارة الثقافة، حيث قدم نبذة تاريخية عن الأميرة سميحة حسين كامل، صاحبة القصر الذي تحوّل لاحقًا إلى مكتبة القاهرة الكبرى.
ثورة يوليو في منظور الأدب والسينما
وأشار « نور الدين» عن ثورة يوليو في منظور الأدب والسينما إلى كيف تنبأت بعض الروايات المصرية بقدوم الثورة، مثل مؤلفات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، والتي تجلّت في أفلام «بداية ونهاية» و «في بيتنا رجل »، إضافة إلى فيلم «رد قلبي » عن رواية الكاتب يوسف السباعي، الذي اعتبره «أيقونة الثورة »، وأكد أن السينما كانت ضمير الشعب ونبضه في تلك المرحلة المفصلية.
ثورة يوليو 1952م غيرت وجه التاريخ المصري
وألقت الإعلامية البارزة سحر سامي، من الهيئة الوطنية للإعلام، كلمة مميزة أكدت فيها أن ثورة يوليو 1952م غيرت وجه التاريخ المصري، وجاءت بإرادة المصريين ضد الاحتلال البريطاني، وكانت لحظة استعادة للكرامة والهوية الوطنية، حين التف الشعب حول الجيش، لأن أهداف الثورة عبرت عن اماله في التحرر والعدالة الاجتماعية.
وعبرت عن شكرها لموقف الأميرة سميحة النبيل، واعتبرت المكتبة رمز حي للثقافة الوطنية المصرية، مشيدة بدورها التاريخي في دعم الحركة الثقافية.وأشار إلى دورها الوطني والثقافي حين تبرعت بالقصر للدولة المصرية ليكون منارة ثقافية وفنية للشعب، وقد وافق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على الفور، تقدير لطبيعتها الثقافية الخاصة فهي كانت شاعرة وفنانة ومهتمة بالحركة الثقافية والفنية وشاركت مع الأمير يوسف كمال في تأسيس مدرسة الفنون الجميلة.
امتداد تأثير ثورة يوليو حتى نكسة عام 1967م
وتطرقت الإعلامية سحر سامي إلى امتداد تأثير ثورة يوليو حتى نكسة عام 1967م، مشيرة إلى أن النكسة كانت لحظة مؤلمة في تاريخ الأمة، وأثرت في وجدان الشعب العربي بأكمله، لكنها لم تضعف الروح الوطنية، بل فجّرت طاقات التعبير الفني، حيث تحول الأدباء والشعراء والمطربين إلى صوت الضمير الوطني.وتحدثت عن خطاب التنحي الشهير للرئيس جمال عبد الناصر الذي لامس مشاعر ملايين العرب وكان لحظة إنسانية وتاريخية غير مسبوقة.
وأكدت أن هذه المرحلة شهدت ميلاد اغانى وطنية حزينة ومؤثرة، وقصائد رثاء وأعمال فنية عبرت عن الحزن والأمل معا، وجسدت قدرة المصريين على تجاوز المحن وإعادة بناء الأمل من جديد وهو ما يعكس العلاقة الوثيقة بين الثقافة الوطنية والوجدان الشعبي في مختلف محطات التاريخ.
جمال عبد الناصر .. رمز الوحدة الشعوب العربية
وتحدثت «سامي» كذلك عن الرئيس جمال عبد الناصر، وما مثله من هيبة وطنية، وتأثيره الواسع عربيًا ودولي وسردت مشاهد من جنازته المهيبة، التي كانت رمز لوحدة الشعوب العربية وقدمت بعض القصائد الوطنية التي كُتبت في رثائه.
وفى الحلقة الثانية من الاحتفالية بدأت مداخلة فلسفية عميقة من الدكتور أحمد عبد الحليم، الأستاذ المتفرغ بقسم الفلسفة بكلية الآداب – جامعة القاهرة، الذي قدّم قراءة فكرية حول الثورة من منظور الفلسفة، مؤكد أن الفلاسفة عبر العصور اهتموا بمفهوم الثورة كوسيلة للتنوير والتغيير، مشير إلى أن «كانط» اعتبر أن الثورة الحقيقية لا تتوقف، بل تمثل مسارا مستمر للتنوير.
جذور الوعي الثوري في مصر
وتطرق عبد الحليم إلى جذور الوعي الثوري في مصر منذ ثورة أحمد عرابي، وحتى ظهور الأحزاب الوطنية في أوائل القرن العشرين، والدور التنويري الذي لعبته الصحافة والجامعة المصرية، التي كانت تسمى قديمًا «كلية الآداب والفلسفة »، وكانت نشأتها نفسها فكرة سياسية ثقافية لمقاومة الهيمنة البريطانية، لافت إلى وجود مفكرين وأساتذة من جنسيات متعددة، أبرزهم الألمان والفرنسيون، مما أضاف عمق معرفي للمشهد الثقافي آنذاك.
وشاركت في الاحتفالية الدكتورة فدوى فؤاد عباس، الكاتبة الفلسطينية المقيمة في مصر، والتي تحدثت بكلمات صادقة ومؤثرة عن حبها العميق وانتمائها الصادق لمصر، التي اختارت أن تعيش فيها، واعتبرتها وطن ثاني لا يقل دفىء عن فلسطين.
ثورة 23 يوليو وأهدافها النبيلة والإنسانية
وعبرت عن تقديرها الكبير لثورة 23 يوليو وأهدافها النبيلة والإنسانية من خلال مقالها التى سردت فيه التفاصيل ، مؤكدة أن تلك الثورة كانت مصدر إلهام للشعوب العربية الباحثة عن الحرية والكرامة.
دور جمال عبد الناصر في معركة الفالوجة
واستحضرت الدكتورة فدوى دور الرئيس جمال عبد الناصر في معركة الفالوجة، والتي شكلت رمز للصمود والنضال الفلسطيني، مشيرة إلى أن والدها عند وفاته لم يذكر إلا سيرة «عبد الناصر» في لحظاته الأخيرة تعبير عن مدى ارتباط جيل كامل من العرب بهذا القائد الذي تبنى قضايا الأمة وناصرها بكل صدق
وفي ختام الندوة، تم التأكيد على أن الثقافة كانت في السابق حكر على الطبقة العليا من الملوك والأمراء، لكنها بعد ثورة يوليو أصبحت حق شعبي عام، وشهدت مصر تحول جوهري في الفكر والإبداع، وهو ما تجلى في تفاعل الأدباء والشعراء والفلاسفة مع روح الثورة ومبادئها الخالدة.