الثلاثاء 29 يوليو 2025

تحقيقات

«إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح».. موضوع خطبة الجمعة

  • 25-7-2025 | 10:07

مصلون

طباعة

تأتي خطبة صلاة الجمعة، اليوم، تحت عنوان:"إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح"، حيث تستهدف بيان أهمية الوقت وضرورة إدارته، وخطورة التهاون في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي دون ضوابط، مع استحضار هدي الإسلام في كل لحظة من لحظات الحياة اليومية.

وفيما يلي نص خطبة الجمعة:

الحمدُ للهِ ربّ العالمين، أحمده حمد الشاكرين المعتبرين، وأشهد أن لا إله إلا الله، الواحد القهار، العزيز الغفار، سبحانه جلّت حكمته فهَدَى العقول ببدائعها، وأسبغ على خلقه جلائل نِعَمه، أقام هذا الكون بعظيم تجلّيه، وأنزل الهُدى على أنبيائه ورسله، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، رفع الله ذكره، وشرح صدره، وأعلَى قدره، وشرفنا باتباعه، وجعلنا من أمته، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن للنجاح طريقًا وجسرًا لا يُعبر إلا عليه، وهو الوقت، ذاك الكنز الثمين، والجوهر النفيس، الذي لا يُقوَّم بمال، ولا يُشترى، ولا يُعوض، وإذا مضى فلن يعود، فهل آن لنا أن ندرك قيمته؟ ونحسن استثماره؟ ونجعله منارًا ينير دروبنا؟!

أيها الأحبة الكرام، اعلموا أن الوقت هو رأس مال الحياة، ومفتاح النجاح والفلاح، وما أدراكم ما الوقت؟! لقد أقسم الله جل شأنه به في كتابه الكريم فقال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، إشارةً إلى عظيم مكانته، ثم حذَّر من التفريط فيه، فالعاقل من وعى، والرشيد من استثمر.

قال النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ والفراغ».

أيها الفطن اللبيب: الوقت سيفٌ إن لم تقطعه قطعك، فإما أن تبنيه وإما أن يهدمك، إما أن تقوده، وإما أن يضيعك، يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يومٌ، ذهب بعضُك"، فمَن أضاع وقته، فقد أضاع نفسه، ومَن أحسن تدبيره، فقد أحسن إدارة عمره وحياته.

يا أيها الكريم، اعلم أن لا نجاح بدون تنظيم، ولا تميز بدون ترتيب، فكم من مواهب طُمست؛ لأن أصحابها لم يتقنوا إدارة أوقاتهم، وكم من قلوبٍ طمحت، وأحلامٍ لاحت ثم انطفأت، لأن الوقت ضاع في اللهو، واللغو، والتسويف.

الإنسان الناجح لا ينتظر اللحظة المناسبة، بل يصنعها بجهده، فدوّن في يومك ما تحب أن تلقى الله به، واحذر ساعات الفراغ القاتلة، فرب دقيقةٍ تُحيي قلبًا أو تُميت عمرًا!

أيها المبارك: انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، النموذج الأكمل في إدارة الوقت، كيف كان يومه حافلًا بالعبادة، والتعليم، والقيادة، ورعاية الأهل، وخدمة المجتمع.

لم تمر لحظة من حياته إلا وكانت في طاعةٍ أو عملٍ أو بناء، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة"، حتى لحظات بيته كانت موزونةً بميزان المسؤولية والمحبة.

أيها النبيل: ألا تعلم أن إدارة الوقت تثمر ثمارًا يانعة؟! منها: النجاح في العمل، والترقي في مقامات الدنيا، وراحة النفس، وصفاء الذهن، وزيادة التركيز والإبداع، والانضباط، والأهم من ذلك نيل رضا الله، وتحقيق العبودية الحقة له في كل آن.

يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما ندمتُ على شيء ندمي على يومٍ غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي".

ويا أيها الكرام، علِّموا أبناءَكم إدارةَ الوقتِ منذ الصغر، واملؤوا أوقاتَكم بالقرآنِ والذكرِ والعلمِ والعملِ الصالح، وابتعدوا عن السهرِ فيما لا ينفع، والضياعِ في فضاءِ الشاشات، وضعوا لأنفسِكم أهدافًا وخططًا، واحفظوا أعمارَكم؛ فإنها لا تعود، وما من نعمةٍ يُسأل عنها العبدُ يوم القيامة إلا وكان عمره أولها، قال صاحبُ الجَبينِ الأزهر والجَنابِ الأنور: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ»، فحاسِبوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبوا، واغتنِموا أوقاتَكم قبل أن تندموا.

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتم الأنبياءِ والمُرسلين، سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين، أما بعد:

فيا من حضر، وأقبل على الذكر، واستبشر، هذا حديثٌ عن عالمٍ جديدٍ قد انتشر، عن فضاءِ التواصلِ وما فيه من خطرٍ أو ظفر، عن الكلمةِ التي تُنشر فتؤجِّجُ نارًا أو تُزهِر، عن صورةٍ تُحرّكُ فتنةً أو تزرعُ فكرًا ونظرًا، فيا سامعَ الخطبة، تَدَبَّر، فإنَّ لك في ضوابطِ الشرعِ نورًا وبِشرًا وسَترًا، وفي اتباعِ الهدى عزًّا وفخرًا.

أيها الكريم، إن من أخطرِ الوسائلِ التي دخلت حياةَ الناسِ في العصرِ الحديثِ: مواقعُ التواصلِ الاجتماعي، التي تحوّلت من أدواتٍ تكنولوجيةٍ إلى محاريبَ للرأي، ومنابرَ للكلمة، ومزارعَ للأفكار!

ولئن كانت هذه المواقعُ في أصلِها نعمةً، فإنها قد تكون نقمةً بسوء استخدامها؛ فمنَ الناسِ من اتخذها وسيلةً للخيرِ والنفعِ والتواصلِ النقي، ومنهم من جعلها ساحةً للغيبةِ والنميمةِ، والفتنِ والتشهيرِ، والكذبِ، وإضاعةِ الوقت!

ولهذا، لا بد من معرفةِ الضوابطِ الشرعيةِ في التعاملِ مع هذه الوسائل، والتي تتمثّلُ في الصدقِ فيما يُكتب ويُنشر، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، وقال الحبيبُ المصطفى صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».

فإياكَ أن تنقلَ خبرًا بلا تبيُّن، أو تُشارك منشورًا بلا تثبُّت، فرُبَّ شائعةٍ أهلكت أمة، وربَّ كذبةٍ فتحت أبوابَ الدماء والدموع.

أيها النبيل، إيّاك أن تقضيَ يومَك على مواقعِ التواصلِ في الغيبةِ والسخريةِ والطعنِ في الناس، قال الله تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}، وقال أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ}.

فطهِّروا ألسنتَكم وأقلامَكم من التَّنمُّرِ والتهكُّمِ والتطفُّلِ والسبِّ والتشويه.

اللهم طهِّر أقلامَنا، واحفظ ألسنتَنا، وبارك في أوقاتِنا.

 

الاكثر قراءة