تتواصل فعاليات ملتقى القاهرة الكبرى الأول للفنون والحرف اليدوية، الذي يقام بقصر ثقافة روض الفرج، تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، ضمن جهود وزارة الثقافة الرامية إلى دعم الهوية الوطنية والحفاظ على الفنون التراثية.
الملتقى يشكل تظاهرة فنية وتراثية تجمع بين جمال الإبداع المعاصر وروح الحرفة التقليدية المصرية، في محاولة جادة لإحياء ما اندثر من مهارات يدوية أصيلة، وتعزيز قيم الجمال المتجذر في الثقافة الشعبية.
والمعرض المصاحب للملتقى يضم أكثر من 80 فنانا من مختلف محافظات القاهرة الكبرى وشمال الصعيد، وقد تنوعت الأعمال المعروضة بين النسيج اليدوي والفخار والخزف والمشغولات النحاسية وأشغال الجلد، في لوحة بانورامية تنطق بأصالة الريف المصري ومدن الصنعة العريقة.
من بين المشاركين الفنان محمد منير من منطقة الجمالية، والذي قدم مجموعة من المنتجات اليدوية التي تعكس مهارة متوارثة عبر الأجيال، فيما لفت الفنان عزت مصطفى الأنظار بأعماله التي تمثل فن الطرق على المعادن، أو ما يعرف بنقش الروبسية، حيث عرض وحدات إضاءة وإكسسوارات وأعمال خط ونقش تفيض بالحس الجمالي والدقة.
أما الفنان شعبان زكي، فقد عرض منتجات من الخزف والفخار، وحرص على تقديم دولاب الفخار للجمهور، موضحا خطوات صناعة القطع الفخارية يدويا، في تجربة حية تربط الجمهور مباشرة بعملية التشكيل.
كما شاركت المدربة صباح الفيشاوي بحقائب وميداليات مصنوعة من الخرز، بينما قدم الفنان عاطف طلبة مجموعة من لوحات "الجوبلان" النسيجية التي تناولت مشاهد من الحياة الريفية للفلاح المصري، باستخدام خامات الصوف والقطن في تناغم بصري ثري.
إلى جانب الحرفيين، قدم عدد من الفنانين التشكيليين تجارب فنية متميزة، تعكس رؤى معاصرة لقضايا الإنسان والمجتمع المصري.
الفنان محمد سالم من بني سويف عرض لوحة تجسد ساعة رملية تحتضن وجوه أطفال، في إشارة رمزية إلى مرور المعاناة وتبدل الأحوال. أما الفنانة علاء محمد فقدمت أعمالا باستخدام قشرة الخشب جسّدت فيها شخصيات مصرية محبوبة مثل فؤاد المهندس ومحمد صلاح، مؤكدة أن هذه الخامة تتيح حرية فنية وسهولة في التشكيل.
وشاركت الطالبة ماريا عماد من كلية التربية الفنية بلوحتين من النسيج مستوحيتين من الطبيعة، وأعمال تصوير شعبي منفذة بالجواش والأكريليك، عكست فيها عالما بصريا شديد الخصوصية. كما لفتت الفنانة سحر العذب الطيب الأنظار باستخدامها تكنيك القلم الجاف في تكوين ظلي متدرج، قدمت من خلاله شخصية امرأة تجسد صراع الزمن وضغوط الحياة اليومية، في معالجة فنية دقيقة ومحمّلة بالشجن.
وشارك أيضا أمير مجدي إسحق، الطالب بكلية الفنون التطبيقية، قسم طباعة وصباغة منسوجات، بعدد من اللوحات من خلال الكولاج والميكس ميديا، إلى جانب لوحات بورتريه وتجريدية اتسمت بالتوازن البصري بين العناصر المختلفة.
كما عرضت مريم عدلي من بني سويف، وهي مدرسة تربية فنية، لوحة رمزية عن حضارة مصر القديمة، مزجت فيها بين رموز مثل الأهرامات، والكنيسة، وزهرة اللوتس، في صياغة بصرية تعكس فخرها بالهوية المصرية.
أما الفنانة تيسير كمال محمد، خريجة آداب قسم علم نفس إكلينيكي، فقدمت لوحة زيتية لفتاة تبدو مهيمنة على عالمها، غير أن التفاصيل المحيطة بها تكشف عن استنزاف المحيط لطاقة الإنسان، في قراءة نفسية عميقة للواقع.
ومن محافظة الفيوم، جاء الفنان محمد جمعة ليعرض لوحة بعنوان "البلياتشو"، تجسد سيدة حزينة ترتدي زيا تراثيا من الفيوم، وتعبر عن التناقض بين المظهر الاجتماعي وما يخفيه الإنسان من مشاعر داخلية.
يقام الملتقى على مدار يومين، برئاسة الدكتورة نهى نبيل مدير عام إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي، ويشمل إلى جانب المعرض الفني والتراثي، عددا من الورش المتخصصة والندوات الفكرية التي تناقش قضايا الحرف اليدوية، وأهمية ربطها بسوق العمل والإبداع الفني المعاصر.
ويهدف الملتقى إلى إحياء الصناعات التقليدية وإتاحة الفرصة للحرفيين للتفاعل المباشر مع الجمهور، بالإضافة إلى تقديم مساحة مفتوحة للفنانين التشكيليين الشباب للتعبير عن رؤاهم الفنية، في تناغم بين الجمال الكامن في التراث وروح الابتكار.

