الخميس 7 اغسطس 2025

مقال رئيس التحرير

درس الملك لير

  • 7-8-2025 | 13:02
طباعة

ملك يملك خشبة المسرح، يصول ويجول، وكأنه شاب مفعم بالحيوية، صوته مجلجل، وتعبيراته تعرف طريقها إلى القلب مباشرة دون حواجز، لا تصدق أبدًا أن من يقف أمامك يؤدى دوره بعبقرية وتميز، شيخ في الثمانين من عمره، مستحيل في عرف الزمان والبشر، ولكنه سهل في عرف يحيى الفخراني.

حدث استثنائي، بل تاريخي يستحق احتفاء من نوع خاص، أن يقف فنان بهذا الشموخ والعظمة وهو في الثمانين من عمره يؤدى للمرة الثالثة عرض الملك لير وكأنها المرة الأولى بروح جديدة، فهذا منتهى العبقرية.

الانبهار.. الوصف المشترك بين كل من شاهد العرض وأداء الفخراني وروحه المتجددة، الجميع يبدي اندهاشه بروعته واندماجه في شخصية الملك لير.

في زمن الغث أن تلقى تحفة فنية كل هذه الحفاوة والإقبال منقطع النظير والكل يبحث عن تذكرة لحضور العرض ويرفع المسرح القومى شعار "أرش كومبليه"، فهذا معناه أن الجيد يطرد الرديء، وأن الفن الهادف رسالته تصل حتمًا إلى القلوب.

المصريون يبحثون عن فن هادف، دعك من تصدر تريندات التفاهة والسخافة كل هذا "هموش"، وزبد يذهب جفاء، أما الفن الهادف الذي يحمل قيم الجمال وينفع الناس فيبقى في الأرض، يقبل عليه المحبون، المتذوقون، العارفون لفضل الفن الراقي في بناء الأمم والشعوب.

تحتاج مسارحنا ألف لير يقدم لنا المتعة والجمال، ويا ليت مثل هذه الأعمال تجوب المحافظات ليست في العواصم فحسب، بل القرى والنجوع، وستجد إقبالًا كبيرًا من المحبين.

المصريون متذوقون عاشقون للفن الجميل يبحثون عنه، ويقطعون له المسافات، لا يغرنكم تقلب التافهين والتفاهات في البلاد عبر السوشيال ميديا، وقت قليل يندثرون بعده، يذوبون مثل غزل البنات.

يجب أن تنتبه وزارة الثقافة لدورها في دعم الفن الجيد، رسالتها يجب أن تمتد لكل شبر في أرض مصر، لا يكفى أن تكون الثقافة مخنوقة ببدلة أنيقة، ورابطة عنق فاخرة، وتسريحة شعر رائعة، وعطر فواح مع تسليمنا أن المظهر ضروري، ولكن دائمًا الجوهر أهم.

المسؤولون عن الثقافة يجب أن يتحرروا من قيودهم، يفكون "خنقة" رابطة العنق، ينزلون إلى البشر في كل مكان، يزورون الكفور والنجوع، أن تكون هناك خطة ملموسة وواضحة للنهوض بثقافة المواطن على الأرض، وليس مجرد "كلام إنشاء" دون تنفيذ.

المرحلة التى يمر بها الوطن تحتاج نظرة مختلفة، وتحركا جادا بعيدا عن المكاتب الوثيرة، الفكر المتطرف ليس بعيدا عنا يسكن حولنا وبيننا، المتطرفون فى كل مكان يشبهوننا، والمواجهة يجب أن تكون جادة.

لم ألمح المسؤولين عن الثقافة ومؤسساتها وهيئاتها يزورون النجوع والقرى وسط الناس، لم أشاهدهم في عزبة من العزب البعيدة يجلسون بين العوام يشاهدون عرضا مسرحيًا أو سينمائيًا، يتناقشون معهم، يشاركون في ندوة هدفها تنوير الوعى العام.

لماذا لا يزور المسؤولون عن الثقافة في مدينة بعيدة، يجب أن يكون من بين الخطط الثقافية بشكل أسبوعي زيارة لقرية بعيدة في الدلتا أو نجع بعيد في أقصى الصعيد.

لا أتحدث هنا عن زيارات رسمية لافتتاحات، ولكن ما أقصده زيارة تلاحم بالناس، أن تكون الثقافة من لحم ودم وسط الغلابة، ولا أقصد هنا الغلب المادي، ولكن الفكري والثقافي، ولا نكتفي فقط بالتواجد بين أصحاب الياقات البيضاء.

يخوض الوطن معركة كبيرة من أجل الوعي، والأخطار محدقة بنا من كل اتجاه، والمتطرفون والجماعة الإرهابية تتربص بنا الدوائر، والمواجهة الفكرية والثقافية فى هذه المرحلة من أهم الأسلحة التى يجب أن نواجه بها الفكر المتطرف.

عرض الملك لير وعنفوان الفخرانى صاحب الثمانين عاما نكأ الجراح، وأثار الشجون حول أهمية الفن الهادف، وأن يتحرك الجميع في المؤسسة الثقافية، وضرورة أن يصل الفن الهادف إلى كل مكان فى مصر لمواجهة الغث، الذى ينتشر حولنا وتضيع فى غياهبه قيم الجمال، الفن الهادف والتنوير والثقافة ضرورة الآن في معركة الوطن ضد الفكر المتطرف لدحضه ودحره، وتحرك الجميع فى هذه المواجهة فرض عين، ولنا فى درس الملك لير عبرة وعظة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة