الإثنين 11 اغسطس 2025

عرب وعالم

«فورين بوليسي»: أيام حاسمة في الصراع الروسي الأوكراني مع تصعيد ترامب ضد بوتين

  • 8-8-2025 | 15:47

ترامب وبوتين

طباعة
  • دار الهلال

ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه على مدى السنوات الماضية، منح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره الروسي فلاديمير بوتين هامشا واسعا من الحرية، إلا أن صبره يبدو في طريقه للنفاد، مع تزايد إحباطه من رفض بوتين إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا.


فخلال زيارة إلى اسكتلندا الشهر الماضي، أعلن ترامب أنه سيقلص مهلة الـ 50 يوما التي منحها لموسكو للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، وإلا ستواجه عقوبات إضافية، من بينها رسوم جمركية على دول مثل الهند وربما الصين، التي تواصل شراء النفط الروسي. 


وبالفعل، وفي تصعيد مفاجئ قبل يومين فقط من انتهاء المهلة المقررة اليوم الثامن من أغسطس، أصدر ترامب أمرا تنفيذيا بفرض رسوم جمركية على الهند، لترتفع بذلك التعريفة الجمركية الأمريكية على الواردات الهندية إلى 50%، بواقع 25% كرد على الخلافات التجارية، و25% بسبب اعتماد الهند على النفط الروسي، على أن تدخل الزيادة الثانية حيز التنفيذ خلال 21 يوما.


وأشارت المجلة الأمريكية إلى أنه منذ بداية ولايته الثانية، تغيرت لهجة ترامب تجاه أوكرانيا بشكل ملحوظ؛ فبعد أن كان يوبخ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي، بات اليوم يعده بمزيد من صواريخ "باتريوت".


وفي الأسبوع الماضي، رد ترامب على تهديد مبطن من الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف بالإعلان عن إعادة تمركز غواصتين نوويتين بالقرب من روسيا، رغم عدم وضوح ما إذا كان يقصد غواصات مسلحة نوويا أم تعمل بالطاقة النووية، إذ تمتلك الولايات المتحدة النوعين معا.


ورغم هذا التصعيد، لم تتوقف محاولات الدبلوماسية؛ فقد أرسل ترامب مبعوثه الرئاسي، ستيف ويتكوف، إلى موسكو قبل يومين، حيث التقى ببوتين في اجتماع استمر قرابة ثلاث ساعات، بحسب تقارير. ولم يوضح أي من الطرفين تفاصيل ما دار في الاجتماع، لكن ترامب كان قد صرح سابقا بأن روسيا وأوكرانيا "يجب أن تتوصلا إلى اتفاق يضع حدا لسفك الدماء".


وأفادت تقارير بأن ترامب أبلغ قادة أوروبيين بعد زيارة ويتكوف بأنه يعتزم لقاء بوتين شخصيا خلال الأسبوع المقبل، ثم اجتماع ثلاثي مع بوتين وزيلينسكي لاحقا، إلا أن موافقة الطرفين الأوكراني والروسي على هذه اللقاءات لم تتأكد بعد.


وفي حين أن ترامب غالبا ما يتراجع عن مهلات فرضها بنفسه، فإن التزامه بالإعلان في الأول من أغسطس عن مجموعة جديدة من الرسوم الجمركية على شركاء تجاريين للولايات المتحدة قد يشير إلى تحول استراتيجي، بحسب توراي تاوسيج، التي شغلت سابقا مناصب في مجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن.


وقالت تاوسيج: "نحن الآن في مرحلة بدأ فيها الرئيس تنفيذ العقوبات التي وعد بها.. وهذا يعكس مدى الإحباط المتزايد لديه تجاه بوتين".


إلا أنه ما يزال من غير الواضح مدى جدية تعاطي بوتين مع تهديدات ترامب، أو مدى تأثيرها على آلة الحرب الروسية.


وفي هذا السياق، تقول إيفلين فاركاس، المسؤولة السابقة في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عن الشؤون الروسية والأوراسية خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما: "قد تدفعه (التهديدات) لإعادة تقييم الأمور، لكنه لا يزال يعتقد أن له تأثيرا على ويتكوف، وربما على ترامب نفسه.. بوتين يراهن على كسب الوقت، وهو تكتيك نجح معه لفترة، لكنه لن ينجح إلى الأبد دون تغيير استراتيجي".


وأوضحت المجلة أن الضغط الأمريكي يتمحور حول قطاع الطاقة الروسي، الذي لا يزال المصدر الأساسي لتمويل اقتصاد البلاد وحربها في أوكرانيا.

وفي حين واصلت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إدراج ناقلات النفط الروسية على قوائم العقوبات هذا العام، فإن واشنطن لم تفعل ذلك حتى الآن، وإن كانت قد نفذت تهديداتها بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25% على الصادرات الهندية، في حال واصلت نيودلهي شراء النفط الروسي مع إمكانية فرض رسوم مماثلة على الصين.


وتتمثل استراتيجية ترامب من هذه الرسوم -وفقا للمجلة- في خنق عائدات روسيا النفطية وإجبار بوتين على التفاوض. إلا أن نجاح هذا المسعى، حتى لو توقفت الهند عن شراء النفط الروسي، لن يضر روسيا سوى بمبلغ يقارب 3 مليارات دولار شهريا، مقارنة بـ7 مليارات محتملة إذا استهدفت الصين.


وترى المجلة الأمريكية أن ترامب كان بإمكانه تحقيق هذا التأثير، بل أكبر منه، من خلال دعم مقترح مجموعة السبع لخفض سقف أسعار النفط الروسي، لكنه رفض ذلك. 


ونبهت المجلة إلى أن ما يزيد الأمور تعقيدا هو أن سحب كميات من النفط الروسي من الأسواق العالمية قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ما يعني أن روسيا ستواصل تحقيق أرباح من النفط الذي تظل تبيعه.


وفي هذا الصدد، يقول كريغ كينيدي، الباحث بجامعة هارفارد والمتخصص في شؤون الطاقة الروسية: "هدفنا النهائي هو حرمان آلة الحرب الروسية من التمويل.. لكن الطريقة ليست تقليص كميات النفط الروسي في السوق، بل تقليص أرباح روسيا منه".


من جهتهما، وردا على تهديدات ترامب، ردت الهند والصين بالتأكيد عبر وزارتي خارجيتهما أنهما ستواصلان شراء النفط الروسي إذا كان ذلك يصب في مصلحتهما الاقتصادية والأمنية.


وبينت المجلة أن كلا البلدين يجريان مفاوضات تجارية مع إدارة ترامب، لكن الصين قد تكون الأكثر قدرة على المناورة، بفضل هيمنتها على معادن الأرض النادرة واستخدامها كورقة ضغط.


وفي حين يبدو ترامب حتى الآن مترددا -وفقا للمجلة- في فرض عقوبات إضافية مباشرة على روسيا، إذ أشار تقرير جديد لموظفي مجلس الشيوخ الديمقراطيين إلى أن إدارة ترامب لم تضف أي عقوبات جديدة منذ توليه المنصب خلفا لجو بايدن في يناير الماضي. ومع ذلك، ثمة أدوات أخرى لا يزال بإمكانه استخدامها.


ومن بين هذه الأدوات والخيارات، توسيع العقوبات لتشمل شركات مدنية روسية تدعم المجمع الصناعي العسكري، وكذلك صادرات روسية غير نفطية، مثل المعادن والأسمدة والمنتجات الزراعية.


كما أن قضية الأصول الروسية المجمدة في البنوك الغربية، والتي تبلغ نحو 300 مليار دولار، تظل على الطاولة، حيث يمكن استخدامها لإعادة تسليح أوكرانيا أو تمويل إعادة إعمارها. 


ويؤكد المراقبون أنه إذا عاد ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكي من موسكو دون نتائج، فإن الخيارات سابق الإشارة إليها ستكون متاحة، وستكون موسكو على أعتاب قرارات اقتصادية أكثر قسوة.


وعلى الجانب الأوكراني، فثمة مطالب واضحة بهذا الشأن، حيث دعا أندري يرماك، مدير مكتب الرئاسة الأوكرانية، إلى استهداف المجمع الصناعي العسكري الروسي بشكل مباشر، وتحديدا "روساتوم" و"روسكوسموس"، مؤكدا وجوب فرض عقوبات كاملة عليهما ومنع تعاونهما مع المؤسسات الغربية.


وأخيرا، فإن كل ما فعله ترامب حتى الآن يدخل في إطار الرسائل الرمزية، حيث لم يتخذ بعد خطوة حاسمة تجعل روسيا تدرك أنها لا يمكن أن تربح هذه الحرب، فيما تظل الأسئلة المطروحة والتي تحتاج لإجابة، وهي: إلى أي مدى يستطيع ترامب قانونيا، أو يرغب شخصيا، في تنفيذ هذه السياسات لوضع حد لهذه الحرب؟

أخبار الساعة

الاكثر قراءة