في رد حازم ومباشر، رفضت مصر تصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول ما يُعرف بـ«إسرائيل الكبرى»، مطالبة بتوضيحات عاجلة، ومؤكدة أن هذه التصريحات تمثل تهديدًا للاستقرار في المنطقة، وانحرافًا عن مسار السلام، وإصرارًا على التصعيد.
وأكدت مصر «حرصها على إرساء السلام في الشرق الأوسط، وتدين ما أثير ببعض وسائل الإعلام الإسرائيلية حول ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى"»، مشددة على أن هذا الأمر يتعارض مع تطلعات الأطراف الإقليمية والدولية المحبة للسلام والراغبة في تحقيق الأمن والسلام لجميع شعوب المنطقة.
وكررت التأكيد على أنه لا سبيل لتحقيق السلام إلا من خلال العودة للمفاوضات وإنهاء الحرب على غزة، وصولًا لإقامة دولة فلسطينية.
وتجنبت مصر صراحة الإشارة إلى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، الذي أدلى بتصريحات في مقابلة متلفزة مع إعلام عبري، أعرب خلالها عن ارتباطه الوثيق بمخطط قائم على التوسع واحتلال مزيد من الأراضي العربية، وهو ما أرجعه السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى رغبة القاهرة في التقليل من شأنه وعدم الاعتراف به.
وشدد بيومي على قوة بيان الخارجية المصرية، وما تضمنه من رد على تصريحات رئيس وزراء الاحتلال بشأن ما أسماه بـ«إسرائيل الكبرى»، مشيرًا إلى أن الأمانة العامة للجامعة العربية أصدرت بدورها بيانًا أدان هذه التصريحات.
وردًا على مطالب بعقد قمة عربية للرد، قال بيومي في حديث لـ«دار الهلال»: «ليس من مقامنا أن نجتمع بشكل خاص للرد على هذه الهرتلة»، مضيفًا: «لم يحدث في التاريخ أن يقف مسؤول دولة ويتحدث علانية عن رغبته في احتلال أراضي دول أخرى».
وأبدى بيومي تعجبه من صدور هذه التصريحات، رغم أن إسرائيل لا تضم عدد سكان كبير يستدعي التوسع، واستشهد بتقرير لمجلة «الإيكونوميست» البريطانية، أفاد بأن ما تنشئه إسرائيل من «مستعمرات» أشبه ببيوت أشباح لا تجد من يسكنها، إضافة إلى زيادة الهجرة العكسية بسبب الحرب المستمرة منذ نحو عامين، ما يجعل من كان يقيم في أوروبا أو الولايات المتحدة يرفض العودة لهذه الأوضاع.
تصريحات لا تستحق الرد
وأكد بيومي أن تصريحات نتنياهو – برأيه – لا تستحق الرد، وهو ما يفسر تجاهل بيان الخارجية المصرية ذكره بالاسم، في إشارة إلى عدم الاعتراف به والتقليل من شأنه.
وأوضح أن الموقف المصري يحظى بدعم دولي واسع، بما في ذلك من الدول الأوروبية وأي دولة تحترم القانون الدولي.
ولفت بيومي إلى أن العلاقات المصرية الإسرائيلية تشهد فتورًا منذ فترة، نتيجة العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث لا يوجد سفير مصري في «تل أبيب»، ولم تعتمد مصر السفير الإسرائيلي الجديد بعد انتهاء ولاية سابقه، رغم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي اعتمد مؤخرًا سفراء عشرات الدول الأخرى.
وأشار إلى أن هذه الخطوات تأتي في إطار تخفيض مستوى العلاقات، ضمن إجراءات مصرية للرد على الاحتلال، مؤكدًا أن القاهرة تتحرك في صمت وليس بالضرورة أن تعلن عن كل إجراء تتخذه، مختتمًا بالتأكيد أن مصر تتبع نهج الدبلوماسية الهادئة.
بيان الخارجية جسد الإرادة المصرية
وبدوره، أكد الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي، أن جمهورية مصر العربية كانت في طليعة المواقف العربية والدولية الرافضة للتصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن «إسرائيل الكبرى».
ووصف سلامة، في حديث لـ«دار الهلال»، ما أثاره نتنياهو، بأنها «ترهات وافتراءات» تكشف بوضوح أن إسرائيل لا تسعى إلى السلام، بل تعمل على تأجيج التوترات وإشعال الحروب في منطقة الشرق الأوسط، وليس فقط في دول الجوار.
وأوضح أن بيان وزارة الخارجية المصرية جاء معبرًا عن إدانة صريحة وكاملة لكل ما ورد في تصريحات نتنياهو، ومجسدًا لإرادة الدولة المصرية الراسخة في التمسك بمبادئ القانون الدولي، وفي مقدمتها احترام سيادة الدول واستقلالها وسلامتها الإقليمية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، فضلًا عن حظر اللجوء إلى القوة المسلحة لتسوية النزاعات الدولية.
وأضاف أن نتنياهو، في خضم فشله العسكري والسياسي في غزة، يحاول إعادة تقديم نفسه للداخل الإسرائيلي باستدعاء فكرة «إسرائيل الكبرى»، وهي رؤية ذات أبعاد تاريخية وروحانية، يسعى من خلالها للتغطية على إخفاقه في تحقيق «الانتصار المطلق» على حركة حماس، ولحماية نفسه من المساءلة السياسية والشعبية بشأن ملف تحرير الرهائن.
وأشار سلامة إلى أن هذه التصريحات تكشف عن رؤية دينية متطرفة تتجاوز الاعتبارات الأمنية، وتهدف إلى كسب دعم اليمين والمتدينين لضمان بقائه السياسي واستمرار حربه على الشعب الفلسطيني.
وشدد على أن هذا التوجه الخطير لا يمثل مجرد دعاية سياسية، بل يعكس خيارات ائتلاف مأزوم في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهه.
واختتم أستاذ القانون الدولي بأن خطاب «إسرائيل الكبرى» يمثل انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ويهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، فهو لا يؤسس لسلام حقيقي، بل يثير الاحتقان ويمثل تدخلًا سافرًا في شؤون دول الجوار، مؤكدًا أن مثل هذه الرؤى المتطرفة لا مكان لها في عالم اليوم.