الأحد 17 اغسطس 2025

تحقيقات

إضراب شامل يشل إسرائيل.. وخبراء: الغضب الشعبي يضع حكومة نتنياهو في مأزق

  • 17-8-2025 | 17:04

الاحتجاجات

طباعة
  • محمود غانم

يتراقص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أوجاع شعبه؛ فبينما يعلن على الملأ رغبته في إبرام هدنة تفضي إلى تحرير الأسرى في غزة، يضع في المقابل شروطًا تعجيزية داخل العملية التفاوضية تحول دون تحقيق ذلك، ثم يتجه إلى الميدان عبر تصعيد عدوانه على القطاع، بما يهدد حياة الأسرى أنفسهم.

وفي إطار الضغط الشعبي عليه، شهدت إسرائيل اليوم إضرابًا شاملًا بدعوة من عائلات الأسرى المحتجزين في غزة، للمطالبة بإبرام صفقة تبادل شاملة مع حركة "حماس" تعيد ذويهم وتفتح الباب أمام إنهاء الحرب، بعد فشل الخيار العسكري في تحقيق هذا الهدف.

إلا أن نتنياهو رد على تلك الدعوات معتبرًا أن أي حديث عن إنهاء الحرب دون القضاء على حركة حماس "يعزز موقفها ويُبعِد فرصة تحرير الأسرى"، مشددًا على أن "السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة" شرط رئيسي لإنهاء الحرب، وهو ما ترفضه الحركة بشكل قاطع، إذ تطالب بعكس ذلك كأساس لأي اتفاق.

 

الحكومة الإسرائيلية في مأزق

في هذا السياق، قال الدكتور أحمد فؤاد أنور، أستاذ الدراسات الإسرائيلية، إن المشهد الاحتجاجي والإضراب الشامل الذي شهدته إسرائيل مؤخرًا يمثل منعطفًا خطيرًا في الداخل الإسرائيلي، حيث اندلعت التظاهرات في أكثر من 300 موقع خلال يوم واحد، وشهدت عمليات قطع طرق وإشعال إطارات، وهو ما يعكس حجم الغضب الشعبي.

وأوضح أنور، في حديث لـ"دار الهلال"، أن الحكومة الإسرائيلية بدت مرتبكة في التعامل مع الموقف، إذ صدرت تصريحات متباينة من وزرائها، رغم أن بعضهم كان قد دعا إلى احتجاجات مشابهة عندما كانوا في صفوف المعارضة.

وأضاف أن اتساع رقعة الإضراب ليشمل الأطباء وقطاعات مهنية أخرى جعله أكثر ضغطًا على الداخل الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه لفت أنظار العواصم الغربية التي قد تعيد حساباتها في ضوء هذه التطورات، استعدادًا للاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل.

وأشار إلى أن هذا الحراك يتناغم مع الحملة الغربية المتصاعدة ضد الاحتلال، لا سيما بعد اقتحام الوزير المتطرف إيتمار بن جفير لسجن الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي وتصريحاته الاستفزازية له بأن "لن تنتصروا"، وهو ما يعكس أن سقف التوقعات الإسرائيلية من "النصر" تراجع كثيرًا حتى باتت فكرة التعادل مقبولة عنده.

وتابع أن الإضراب لن يكون عابرًا، بل قد يستمر لعدة أيام، وربما يتصاعد بشكل أسبوعي أو يأخذ طابعًا أكثر عنفًا، خاصة بعد اعتقال الشرطة الإسرائيلية للعشرات من المحتجين.

كما شدّد على أن الإعلام – المحلي والدولي – يلعب دورًا كبيرًا في إبراز هذا الحراك، لافتًا إلى أن تداعيات الإضراب ستنعكس على المفاوضات الجارية في القاهرة والدوحة بين الفصائل الفلسطينية والإسرائيليين.

وحول تعنّت رئيس الوزراء الإسرائيلي وإصراره على شروط تعجيزية في أي صفقة تهدئة أو تبادل، أوضح الدكتور أحمد فؤاد أنور أن ما يطرحه نتنياهو أقرب إلى الأحلام غير الواقعية، مشيرًا إلى أنه يسعى من خلال هذه الشروط إلى استرضاء الجناح الأكثر تطرفًا في حكومته.

وأكد أن "نتنياهو فشل في كسر حماس عسكريًا، ويريد أن يعوض هذا الفشل بفرض شروط سياسية غير قابلة للتنفيذ، وكأنه ينتظر حدوث معجزة أو تدخل قوة خارقة لتنفيذ ما لم يستطع تحقيقه بالقوة. المشكلة الحقيقية أنه لا يملك تصورًا واضحًا لبديل حماس أو لجهة يمكنها إدارة قطاع غزة ونزع سلاح المقاومة"، مؤكداً أن ذلك يعكس المأزق العميق الذي تعيشه الحكومة الإسرائيلية.

 

يعكس حجم الغضب الشعبي

من جانبها، قالت الدكتورة رانيا فوزي، خبيرة الشأن الإسرائيلي، إن الإضراب الشامل الذي تشهده إسرائيل اليوم ليس الأول منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. 

وأوضحت فوزي، في تصريح خاص لـ"دار الهلال"، أن إسرائيل شهدت في سبتمبر 2024 إضرابًا عامًا دعت إليه نقابة "الهستدروت" احتجاجًا على وفاة ستة رهائن تم العثور عليهم داخل غزة، وللمطالبة بصفقة تبادل أسرى وإنهاء الحرب التي أطلقت عليها تل أبيب اسم "السيوف الحديدية".

وأضافت أن الإضراب الحالي يعكس حجم الغضب الشعبي تجاه تعنّت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في ملف تحرير الأسرى، وسط مخاوف متزايدة من سقوط حكومته اليمينية المتطرفة.

وأشارت إلى أن شركاء نتنياهو في الائتلاف، وعلى رأسهم وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يتمسكون برفض أي صفقة تبادل أو انسحاب من غزة، ويدفعون في المقابل باتجاه تنفيذ ما يُسمى بـ"التهجير الطوعي" للفلسطينيين، وهو في جوهره عملية تهجير قسري.

وتابعت فوزي أن حكومة نتنياهو ماضية في مخططها الرامي إلى دفع نحو مليون فلسطيني باتجاه الجنوب وصولًا إلى الحدود المصرية عند مدينة رفح، مشيرة إلى أن الهدف من هذه التحركات هو صرف الأنظار عن الإضراب الشامل الذي تشهده إسرائيل اليوم.

ورأت خبيرة الشأن الإسرائيلي أن هذا الإضراب لن يشكّل مصدر قلق حقيقي لنتنياهو أو حكومته، ولن يؤدي إلى إسقاطها، بل سيكون ـ كما حدث في سبتمبر 2024 ـ مجرد أداة ضغط لإجباره على إبرام صفقة تبادل مع حركة "حماس" ووقف الحرب المستمرة منذ قرابة عامين، والتي تُعد الأطول في تاريخ إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948.

وأكدت فوزي أن نتنياهو حسم أمره بالمضي في مخططاته بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، في إطار مشروع أوسع لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وهو ما ألمح إليه خلال حواره مع قناة "i24 News" الإسرائيلية حين تحدث ضمنيًا عن إعادة إحياء فكرة "أرض إسرائيل الكبرى" الممتدة من نهر مصر إلى الفرات.

وأشارت إلى أن نتنياهو يستند في ذلك إلى الدعم الأمريكي المطلق، وإلى تأييد خاص من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لهذه الرؤية.

وأضافت أن إصرار نتنياهو على وضع شروط تعجيزية أمام أي اتفاق تهدئة أو صفقة تبادل، رغم تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية، يعود إلى أنه لم يحقق حتى اللحظة أي إنجاز ملموس في الحرب على غزة، وهي الحرب التي استنزفت الاقتصاد الإسرائيلي، وأدت إلى تشويه صورة إسرائيل على المستوى الدولي، فضلًا عن تراكم المزيد من الضغوط السياسية والشعبية عليه.

وشددت على أن نتنياهو يعتمد اعتمادًا مطلقًا على الدعم الأمريكي، ويسعى إلى إطالة أمد الحرب حتى نهاية عام 2026، أي حتى نهاية ولاية حكومته اليمينية المتطرفة، التي كان قد وعد جمهوره قبل نحو ثلاث سنوات بأن تستمر لأربع سنوات كاملة.

وهو يأمل – من خلال هذه السياسة – أن يتمكن من تحقيق أحلامه بالتوسع واحتلال المزيد من الأراضي، ليواجه الناخب الإسرائيلي في الانتخابات المقبلة بأي إنجاز يمكن أن يسوّقه، حتى وإن كان هذا الإنجاز قائمًا على حرب إبادة وتجويع تُمارَس بحق الشعب الفلسطيني الذي انتفض منذ السابع من أكتوبر.

  

أخبار الساعة

الاكثر قراءة