في مشيته، كان يضع قدمًا أمام الأخرى مباشرة كأنه يقيس الطريق بمقياسه الخاص.. صديقي المتيم بقناة "ناشونال جيوغرافيك أبو ظبي" كان يراقب خطواته كما لو كان يصور فيلما وثائقيًا عن حياته.
هل تعلم أن للنحلة 5 عيون، وللأخطبوط 3 قلوب، والتمساح لا يستطيع إخراج لسانه من فمه.. معلومات عن الحيوانات لا حصر لها لطالما يطرب بها أذني كلما التقينا.
أتذكره ونحن ننتظر الطعام على طاولة أحد المطاعم قرب ميدان التحرير، وهو يجلس أمامي بعينين لامعتين، ويحكي عن حقائق الكون كأن بحوزته مفتاح صندوق أسرار الطبيعة والحياة البرية.
طريقته في السرد تصيبني بالاندهاش، فتارة تراه يجسد بيديه جناح طائر، وأخرى يشبك أصابعه ليحاكي أذرع الأخطبوط، ثم يبتسم ابتسامة الواثق من نفسه، قائلًا: "العالم يا صديقي معقد أكثر مما نتصور.. جميعنا ككائنات نتشارك الأرض.. الهواء.. الماء...".
حديثه دائما يحررني من قيود اللحظة، ويحلق بي بين عوالم مختلفة، وفضاءات لا نهاية لها.. لو رأيتم كيف تتسع حدقتا عينيه حين حديثه عن هجرة الطيور وكيف تقطع آلاف الكيلومترات لتعود إلى أعشاشها عاما بعد عام، وكيف تحفظ السلاحف البحرية خرائط محيطها كما نحفظ نحن وجهاتنا نحو منازلنا.
وفي النهاية نتشارك الابتسامة ونتقاسم اللقمات، ثم يعود كل إلى عالمه، لكن يظل حديثه عالقا في ذهني ليذكرني أننا كائنات صغيرة في كون واسع، ما علينا سوى أن نتعلم كيف نتعايش مع أسراره ونتواضع أمام عظمة خالقه.