أصبحت دور العبادة الشغل الشاغل للإرهابيين، حيث استغل الإرهاب عامل المفاجأة
والغدر ووجه ضرباته لمرتادي دور العبادة غير مفرق بين مسجد أو كنيسة، وكان حادث كنيسة
مارمينا بحلوان الذي وقع أمس الجمعة الأحدث في سلسلة الهجمات الإرهابية الشنيعة التي
وقعت خلال العام المنقضي والتي أسهم الشعب في إفشالها رغم أن هناك ضحايا دفعوا الثمن.
هناك تغيير نوعي في أسلوب تنفيذ الهجمات الإرهابية، وهذا ما برهنت عليه
الطريقة التي تم بها استهداف كنيسة مارمينا بحلوان أمس وأحد الأكمنة بالعريش أمس الأول
وقبل أسابيع مسجد الروضة ببئر العبد مما يدل على تخبط العناصر الإرهابية وتعكس تضييق
الخناق عليها، فإزهاق الأرواح دون ذنب دليل انفراد وانعزالية وكلاهما يتبرأ منه الإسلام
والمسيحية وهذه التصرفات حجة على من يتبعها ويساعد عليها.
إنجازات تثير الأحقاد وعمليات إرهابية تستهدف النيل من استقرار الوطن
وأمنه، فمصر باتت في معركة مفتوحة على عدة جبهات، معركة ضد الإرهاب ومعركة للحماية
منه وثالثة للتنمية واستعادة الريادة، ورجال شرطة وجيش حموا ثورة شعب غير مسبوقة أبهرت
العالم أخذوا على عاتقهم التصدي للإرهاب بدلا من الشعب.
لكنها ليست معارك جيش وشرطة فقط، إنما جيش وشرطة وشعب تدفع مصر من أبنائها
وقواتها الأمنية والدفاعية ضريبة باهظة لمكافحة إرهاب أسود يحاول نشر الموت والخراب
في كل مكان، ويشكل تحديا خطيرا وهاما للدولة والمجتمع حيث يهدد الجوانب الأساسية للحياة
المصرية اقتصاديا واجتماعيا وسياحيا.
ويخطأ من يعتقد أن مصر تنسى شهداءها أو تتسامح في دمائهم الطاهرة التي
حررت مصر من دنس الإرهاب والتطرف ويخطئ من يعتقد أن الدم المصري يسقط بالتقادم، أو
أن الدولة المصرية تغلب أية مصلحة فوق الثأر لشهدائها الأبرار، فالدماء المصرية غالية
كتراب الوطن وجزء لا يتجزأ من كرامة الأمة وكبريائها، وستظل تضحيات الشهداء محفورة
في ذاكرة الأمة وأسرهم التي فقدت عائلها ليعيش الوطن في قلبه.
بلد تنوب عن العالم في الحرب ضد الإرهاب وجنود بواسل يقتحمون معاقل الإرهاب
في كل يوم وفى كل مكان، يحققون نجاحات باهظة الثمن ضد خفافيش الظلام حيث باتت ظاهرة
الإرهاب من الظواهر المهددة للأمن والاستقرار العالمي، واستفحلت على النطاق الدولي
بصورة غير مسبوقة مؤخرا، وصدقت التوقعات المصرية في تحذير الولايات المتحدة وأوروبا
والعالم من أن الإرهاب سيرتد عليها ما لم تكن هناك مواجهة عالمية له، فلم يعد الإرهاب
يفرق بين دولة متقدمة لديها الإمكانيات والقدرات في وسائل المهاجمة والمكافحة، وأخرى
تفتقر لتلك الوسائل والآليات.
وتعتبر عمليات الدهس في أوروبا ومشاهد الإرهاب في برشلونة ولندن وويستمنستر
وأخيرا روسيا خير دليل على ذلك، حيث تمكن الإرهاب الأسود رغم تشديد الإجراءات الأمنية
من الانتشار واتباع أساليب جديدة كالدهس بالحافلات في الأماكن المزدحمة كي يحقق أكبر
عدد ممكن من الضحايا، وهنا تختلف دوافع منفذي العمليات الإرهابية من مكان لآخر فهي
أما انتقاما أو عنصريا أو بهدف إلصاق التهمة بالمهاجرين.
ولا تزال دعوة مصر إلى "عالمية مكافحة ظاهرة الإرهاب" ومخاطرها
وفي إطار الأمم المتحدة متجددة إلى أن تجد أذانا صاغية من المجتمع الدولي.
والحرب على الإرهاب ليست هينة، وما قدمه الشهداء ومصابو الشرطة والجيش
والشعب من تضحيات نابعة عن يقين راسخ بنعمة الوطن وسمو رسالة حمايته وقدر التضحية من
أجله أمانة في عنق رجال عاهدوا الله على تحمل المسئولية لتحقيق الأمن والاستقرار، ومكافحة
الإرهاب بما يتلاءم مع التحديات الناجمة عن تمدد التنظيمات الإرهابية ويكفل التصدي
للتهديدات الأمنية التي تستهدف كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية
والتربوية والإعلامية.
وستواصل مصر مواجهة الإرهاب ومن يموله ويقف وراءه بكل قوة وحسم وفاعلية
حتى يتم القضاء عليه، ولن تسمح له بتحقيق أهدافه في التأثير على الروح المعنوية للشعب
الذي يعي تماما حجم التحدي، ويقدر تضحيات شهداء قدموا أرواحهم فداء للوطن وسلامة المواطنين
ولتجنيب الشعب والوطن مسارات مأسوية شهدتها دول مجاورة تفشى فيها الإرهاب.