الإثنين 25 اغسطس 2025

تحقيقات

«إسرائيل تتجه لحسم الصراع».. خبراء: احتلال القطاع يهدد القضية الفلسطينية ويتم بدعم أمريكي أعمى

  • 24-8-2025 | 21:23

قطاع غزة

طباعة
  • محمود غانم

منح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إسرائيل ضوءًا أخضر للمضي في خططها لاحتلال قطاع غزة، متجاهلًا الكارثة الإنسانية التي يواجهها السكان، ومتغاضيًا عن موقفه السابق من المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار الذي قبلت به حركة حماس مؤخرًا، بينما تراجعت عنه «تل أبيب» بعد أن كانت قد وافقت عليه الشهر الماضي.

ورغم تبرير ترامب بأن الاحتلال الشامل سيضمن أمن المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس، فإن الوقائع الميدانية ترسم صورة مغايرة؛ إذ تحذّر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، كما تحذّر المقاومة الفلسطينية، من أن هذه المغامرة قد تفضي إلى مقتل المحتجزين، كما حدث في مرات سابقة بنيران إسرائيلية.

وفي ظل هذا المشهد المتأزم، يطرح تساؤل جوهري نفسه: إذا كان الهدف المعلن هو «إعادة المحتجزين»، فلماذا تجاهل ترامب وإسرائيل خيار التفاوض الذي كان يضمن استعادة نصف الأسرى على الأقل في المرحلة الأولى، أحياءً أو جثامين؟ هذا السؤال يكشف أن التفويض المطلق الذي منحه الرئيس الأمريكي يتجاوز قضية الأسرى، ليخدم أجندة سياسية وعسكرية أوسع، تجعل غزة وحدها تدفع الثمن الأكبر.

وفي هذا السياق، يؤكد خبراء في تصريحات خاصة لـ«دار الهلال» أن الموقف الأمريكي يشكل غطاءً خطيرًا للمخططات الإسرائيلية، محذرين من تداعيات المضي قدمًا في مشروع احتلال القطاع، الذي لا يمس فقط القضية الفلسطينية، بل يهدد كذلك الأمن الإقليمي، وينذر بانفجار على نطاق أوسع.

 

تصعيد خطير

ومن جانبه، يرى الدكتور نزار نزال، المحلل السياسي الفلسطيني، أن المرحلة المقبلة في القطاع ستشهد دخانًا ونارًا، واجتياحًا وعمليةً عسكرية إسرائيلية متدرّجة، وفق خطط وضعتها هيئة الأركان الإسرائيلية، تقوم على تقطيع مدينة غزّة والمخيّمات المحيطة بها إلى مساحات جغرافية صغيرة، والسيطرة عليها شيئًا فشيئًا.

وقال الدكتور نزار نزال، في حديث لـ«دار الهلال»، إن «أي سيناريو آخر غير هذا، لا أعتقد أنّنا سنراه في المستقبل القريب».

وشدّد على أنّ هذا التوجّه يهدّد القضية الفلسطينية، إذ إنّ إسرائيل لا تسعى إلى حلّ الصراع، بل إلى حسمه، والانتقال من مرحلة إدارة الصراع إلى مرحلة فرض واقع جديد بالقوة، وهو ما يجعل المرحلة المقبلة مرحلة نار بامتياز.

وأوضح السياسي الفلسطيني أن هذا التصعيد يرتبط ارتباطًا وثيقًا بملف التهجير، الذي يُعدّ الهدف المركزي وراء الاجتياح الشامل والاحتلال العسكري المباشر.

وأضاف أن «فتح الممرات، والقصف العشوائي، والتدمير المنهجي، كلّها وسائل تهدف إلى تهجير السكان من داخل قطاع غزّة، إمّا عبر البحر، أو من خلال مطار رامون، وإن تعذّر ذلك فإلى سيناء».

وأردف مؤكّدًا أنّ ما يجري اليوم وما سيجري في الأسابيع المقبلة مرتبط تمامًا بخطط تهجير الفلسطينيين من غزّة.

بينما يحذر الدكتور مختار غباشي، الخبير السياسي والاستراتيجي، من خطورة المخطط الإسرائيلي الرامي إلى احتلال قطاع غزة، مؤكّدًا أن هذا التحرك يهدد بتصفية القضية الفلسطينية برمتها، ويدفع نحو مزيد من التصعيد في الشرق الأوسط.

وشدد غباشي، في حديث لـ«دار الهلال»، على أن خطورة ما يجري لا تقتصر على إعادة احتلال غزة وتثبيت أقدام إسرائيل فيها، بل تمتد إلى ضياع القضية الفلسطينية وإنهاء أي أمل في قيام الدولة الفلسطينية، محذرًا من أن استمرار هذا الوضع ينذر بمخاطر كبيرة على دول الشرق الأوسط الصامتة حيال ما يجري.

ولفت إلى أن إصرار حركات المقاومة على مواجهة إسرائيل – مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، إلى جانب الفصائل الفلسطينية – يعكس أن المشهد الإقليمي يتجه نحو مزيد من التصعيد والانفجار، خصوصًا مع استمرار الضربات الإسرائيلية على جنوب لبنان، وعدم وجود خيار أمام الفلسطينيين سوى الدفاع عن أرضهم أو الموت.

 

دعم أمريكي أعمى

وبشأن الموقف الأمريكي، أوضح نزال أنه موقف «رخو» أو «مطاطي»، لا يعكس حقيقة الدور الأمريكي، فالولايات المتحدة شريك كامل في هذا المشروع حتى النخاع.

وتابع أنّ «قبول حركة حماس بالمقترح الأمريكي أحرج إسرائيل، لكننا لاحظنا أنّ الإسرائيليين لم يردّوا أصلًا؛ فنتنياهو لم يعبأ بالوسطاء ولا بالعالم، وماضٍ في حربه».

وقال إن التعامل مع ملف غزّة لم يعد بالنسبة إليه مسألة أمنية، بل وجودية، أي صراع وجودي لا صراع أمني، ولهذا تغيّرت طبيعة المواجهة.

وبرأيه، فإن ما نراه اليوم من وضوح في الموقف الإسرائيلي يؤكّد أنّ قبول حماس أو رفضها لا يغيّر شيئًا؛ فإسرائيل ماضية نحو الاجتياح، وإخضاع السكان الفلسطينيين للاحتلال العسكري المباشر، وما يصاحبه من تدمير وقتل، ولن يقف الأمر عند حدود غزّة.

أما غباشي، فقال إن الدعم الأمريكي الأعمى لإسرائيل في عدوانها على غزة يكشف عن خلل عميق في طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي، مشددًا على أن هذه العلاقات باتت بحاجة إلى مراجعة جادة من قبل الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.

وأضاف: «الولايات المتحدة لا تُقدِّر حجم وقيمة علاقاتها بالعالم العربي والإسلامي، بل تتعامل معها بما ينطوي على قدرٍ من الإهانة»، موضحًا أن قضيتي غزة والقدس ليستا شأنًا فلسطينيًا داخليًا فقط، وإنما مسؤولية عربية وإسلامية في المقام الأول.

وأشار الخبير السياسي إلى أن أمريكا وإسرائيل تجاوزتا حدود الأدب السياسي، في ظل غياب القدرة أو الرغبة لدى الدول العربية والإسلامية لاتخاذ مواقف حاسمة تجاههما، لافتًا إلى أن المقررة الأممية الخاصة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، أكدت أن مجرد تهديد بعض الدول العربية بقطع العلاقات مع واشنطن وتل أبيب كان كفيلًا بوقف المجازر في غزة، لكن ذلك لم يحدث.

وتابع: «للأسف، بيانات العالم العربي والإسلامي لا ترقى إلى مستوى بعض المواقف الأوروبية؛ ففي هولندا استقال ثمانية وزراء – بينهم وزير الخارجية – احتجاجًا على عدم فرض عقوبات على إسرائيل، بينما لم يجرؤ أي بلد عربي على اتخاذ خطوة مشابهة أو حتى التلويح بها».

وأكد غباشي أن التقاعس العربي والإسلامي بلغ حد الفشل في إدخال المساعدات الإنسانية والدوائية لمليوني فلسطيني يتضورون جوعًا في غزة، في وقت يواصل فيه المسؤولون الأمريكيون، وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب، دعمهم المطلق لإسرائيل بلا أي رادع.

 

الاكثر قراءة